ملخص الدرس / الثآنية ثانوي/العلوم الشرعية/السيرة والحضارة/التعارف والحوار في الاسلام

النص المؤطر

قال الله تعالى : 

"  فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا  " سورة الكهف : 34 

تعريف التواصل و الحوار

التواصل : 

 لغة : التواصل في اللغة مأخوذة من الصلة . 

اصطلاحا : هو تبادل الرسائل المنطوقة أو المرمزة أو غيرها بحيص تتضمن هذه الرسائل الحقائق و الأفكار و المشاعر 

الحوار : 

لغة : المجاوبة و التحاور و التجاوب 

اصطلاحا : هو تفاعل (لفظي أو غير لفظي - بمعنى كتابي ) بين اثنين أو أكثر من البشر بهدف التواصل و تبادل الأفكار و الخبرات و تكاملها 

والحوار كلمة تستوعب كل أنواع و أساليب التخاطب , سواء منبعثة من خلاف المتحاورين أوعن غير خلف ،لأنها إنما تعني المجاوبة في المسألة موضوع التخاطب وهو وليد تفاهم وتعاطف وتجارب كالصداقة . 

وتعريف التواصل و الحوار كمهارة تمتسب  : هو القدرة على التفاعل المعرفي و العاطفي و السلوكي مع الآخرين و هو مايميز الإنسان عن غيره مما سهل تبادل الخبرات و المفاهيم بين الأجيال. 

 

 

 

 

مشروعية التواصل و الحوار

لإن المتأمل في الكتاب و السنة و سيرة السسلف الصالح يجد الأمثلة الكثرة المتعددة لفكرة التواصل و الحوار و كثرة تعدادها يدل على أهميتها و مشروعيتهاو قد جاء في القرآن الطريم أمثلة منها ما دار بين الله سبحانه وتعالى و بين ملائكته في خلق آدم عليه السلام قال تعالى : " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَوَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ   "  سورة البقرة : 30 

و كذلك مع إبراهيم حين طلب من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى و كذا مع موسى عليه السلام حين طلب الرؤية و مع ابراهيم حين هم بذبح ابنه و قصص الأنبياء و حوارتهم مع أقوامهم كما هو الشأن في نوح و شعيب و موسى و سليمان مع أقوامهم و غير ذلك كثير . 

كذلك لما جاء في السنة النبوية . حيث كانت الدعوة الإسلامية تواصلا و حوارا مثال ذلك ما جرى مع عتبة بن ربيعة حين قرأ عليه شيئا من القرآن و كذلك مع الأنصار حين سمع عنهم أنهم وجدوا في أنفسهم شيئا بعدما قسم صلى الله عليه و سلم الغنائم و لم يعطهم شيئا و غيرها كثير .

مشروعية التواصل و الحوار : جاءت شريعة الإسلام ببيان مشروعية الحوار و المجاذلة و بيان أنهما وسيلة للدعوة الى الله عزوجل ,قال الله تعالى :" ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ..." النحل 125 و هذا فيه مجادلة و محاورة ثم إن الله عزوجل قد في حكى في كتابه العزيز من الحاورات مع الذين كانوا في عهد النبوة سواء كانوا من اليهود أو النصارى أو المشركين و ترد على أفكارهم السيئة .قال الله تعالى : " وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿٧٨﴾ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴿٧٩﴾" يس 78-79

كذلك كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحاور من في عصره سواء من أصحاب الديانات الأخرى كما في سورة آل عمران التي ذكر الله سبحانه و تعالى في محاورة النبي صلى الله عليه و سلم مع نصارى أهل نجران و كما في عدد من السور التي فيها بيان بعدد من المحاورات مع المنافقين و غيرهم و بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم استمر أصحابه رضي الله عنهم على منهجه فبدأوا يحاورون أصحاب الديانات الأخرى بالحكمة و الأسلوب المقنع 

أهمية الحوار و التواصل

من طبيعة الناس التنوع و الاختلاف : " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119 ) " سورة هود  . و لهذا فهم بحاجة الى التواصل و الحوار و أهم ما يحققه التواصل انه يسعى الى نقل الحقائق و الأفكار و المشاعر و تبادلها مع الآخرين و يمكن تلخيص ذلك في : 

إقامة الحجة و نشر الخير و الفضيلة و الدعوة الىالله تعالى بالتي هي أحسن : " ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ  ...." سورة النحل : 125 

دفع الشبهة أو المغالطة من القول و الرأي : " قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ " سورة يوسف : 108 

تعون المتحاورين على معرفة الحقيقة و التوصل اليها , ليكشف كل طرف ما خفيعلى صاحبه منها . 

التعرف على وجهات النظر المتنوعة 

البحث و التنقيب في مختلف الرؤى و التصورات المتاحة من أجل الوصول الى نتائح أفضل و لو في حوارات تالية . 

للحوار أهمية كبرى في إقامة الحجة و دفع الشبهة و الفاسد من القول و الرأي كما أنه : 

 وسيلة إقناع : الحزار من أحسن الوسائل الموصلة الى الإقناع و تغيير الاتجاه 

وسيلة بنائية علاجية : تساعد في حل كثير من المشكلات 

وسيلة اتصال : يعتبر الحوار من وسائل الاتصال الفعالة و تزداد أهميته في الجانب التربوي 

وسيلة تقارب : الحوار من شأنه تقريب النفوس و ترويضها و كبح جماحها بإخضاعها لأهداف الجماعة و معاييرها .

وسيلة تربية و ترويض : مما سبق نجد أن في ثنايا الحوار فوائد جمة :نفسية و تربوية و دينية و اجتماعية وتحصيلية تعود على المحاور بالنفع كونها تسعى الى نمو و تنهج نهجا دينيا حضاريا ينشده كثير من الناس 

آليات و أدبيات الحوار

للحوار أليات و أدبيات متعارف عليها , يمكن ذكر بعضها : 

- سلوك الطرق العلمية و التزامها كتقديم الادلة المثبتة

- الإنصاف و الموضوعية : " ...وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُواهُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " سورة المائدة : 8 

- سلتمة كلام المحاور و بعده عن التناقض . 

- الاتفاق على منطلقات ثابتة و قضايا مسلمة في عملية التحاور .. قال الله تعالى : " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَبَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" سورة آل عمران : 64 

- التجرد و البحث عن الحق و البعد عن التعصب , قال الله تعالى : " وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" سورة الأنعام : 152 

-أهلية المحاور , فمن الخطأ للدفاع عن الحق من لا يعرف الحق وأو لا يجيد الدفاع عن الحق . 

- عدم القطع بالنتائج و الاجتهادات لأننها نسبية : وفق المقولة المشهورة : رأيي صواب يحتمل الخطأ , و راي الآخرخطأ  يحتمل الصواب قال الله تعالى : "  وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ   " سورة سبأ : 24 

- الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل اليها المتحاورون . قال الشافعي رضي الله عنه : (( ما ناظرات أحدا فقبل مني الحجة إلا عظم في عيني و لا ردها إلا سقط في عيني ))

آداب الحوار

إن عملية الحوار تقتضي من المسلم استحضار و التزام كل الأخلاق الاسلامية المعروفة لأن التواصل مع الغير دائم و مستمر , بل هو الحياة نفسها و يمكن التذكير ببعض الآداب أثناء الحوار على الخصوص: 

- إلتزام القول الحسن , قال تعالى : " وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ" سورة النحل : 125 و قوله : " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ " سورة العنكبوت :46 

- الإلتزام بوقت محدد في الكلام و عدم الاسترسال : يقول ابن عقيل في كتابه فن الجدل : " و ليتناوبا الكلام مناوبة لا مناهبة , بحيث ينصت المعترض للمستدل حتى يفرغ من تقريره للدليل المستدل للمعترض حتى يقرر اعتراضه و لا يقطع أحد منها على الآخر كلامه و إن فهم المقصود من بعضه " 

- حسن الاستماع و أدب الإنصات و تجنب لمقاطعة و قد قال الحسن بن علي لإبنه رضي الله عنهم جميعا : '' يا بني إن جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك أن تقول , و تعلم الاستماع كما تتعلم الكلام , و لاتقطع على أحد الحديث - و إن طال - حتى يمسك .

- إبداؤ المتحاورين التقدير و  لاإحترام بعضهم لبعض : " لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا" سورة النساء : 148 و هذا لا ينافي النصح و تصحيح الأخطاء بأساليبه الرفيعة و الوقورة .

- الإخالص : فعلى المحاور أن يوطن نفسه , و يروضها على الإخلاص لله في كل حوار . 

أليات التواصل و الحوار

يتواصل الناس و يتحاورون فيما بينها بينهم - بصورة تكاد تكون مطلقة - بالكلمات , سواء أكانت منطوقة أو مكتوبة و في أحوال خاصة يتواصل الناس بدون كلمات فيما يعرف بالتواصل اللفظي أو التواصل بالإشارة و في كل صورة هناك العديد من الأشكال المعروفة التي يتميز بها هذا التواصل عن غيره و يمكننا ملاحظة هذه الآليات في المواقف الحياتية المختلفة , كالمواقف في القسم أو المدرسة و في الأسرة و في الحي و باقي الأماكن و المجالات : 

التواصل بالكلمات المنطوقة : محادثة فرد لفرد كالأصدقاء و الزملاء في المدارس أو العمل أو كاستدعاء المدير للمموظف , و يجب أن يون التواصل لابما يعكس أخلاقنا و قيمنا النبيلة . 

محادثة فرد لجماعة كمجموعة من أولياء الأمور جاؤوا ليسألوا عن مستويات أبنائهم كاجتماع مدير المدرسة بالهيئة التدريسية و إمام يخطب في الناس أو متحدث عبر الأثير في الراديو و غيره 

المحادثة بالهاتف : هذا النوع من التواصل - كبقية الأنواع الأخرى - له آدابه كطلب الإذن في طرح الموضوع و الإعتذار على المفاجأة و أن تدع الطرف الآخر في زمن المحادثة إذا كنت أنت الذي بدأ بها و الإفتتاح بالتحية و الإختتام بالتحية ...

التواصل بالكلمات المكتوبة : كالرسائل و الكتب و الجرائد و المجلات و التقارير و الانترنت و الإعلانات و غيرها ...و المهم في هذا الأسلوب من التواصل أن يحرص الفرد على اعتماد مجموعة من المعايير و الأخلاق ليزيد في فاعلية التواصل 

التواصل بدون كلمات : كالإشارات سواء باليد أو الأضواء أو بالأصوات الذي يتخلل عملية التواصل فيجب إعطاؤه أهميته و كذلك نغمة الصوت فهي تمثل تعبيرا محمولا بالرسائل : كالشفقة و المحبة و الحرص و الاهتمام بالشيء أو الإستهتار و اللامبالاة 

التواصل المرئي : كالأيقونات و الصور المختلفة المطبوعة أو المبثوثة بالتلفاز أو غيره ... 

 

 

آليات و أدبيات الحوار و التواصل

 

آليات الحوار و التواصل : 

سلوك الطرق العلمية و التزامها 

سلامة كلام المناظر و دليله من التناقص فالمتناقض ساقط بداهة 

الاتفاق على منطلقات ثابت و قضايا مسلمة كحسن الصدق و قبح الكذب 

 التجرد و قصد الحق و البعد عن التعصب و الالتزام بآداب الحوار 

أهلية المحاور 

الرضا و القبول بالنتائج التي يتوصل اليها المتحاورون و الالتزام الجاد بها و بما يترتب عليها 

 أدبيات الحوار و التواصل : 

التزام القول الحسن و تجنب منهج التحدي و الإفحام 

الالتزام بوقت محدد في الكلام 

حسن الاستماع و أدب الإنصات و تجنب المقاطعة 

 تقدير الخصم و احترامه 

 أن يكون في خلوات محدودة الحضور لأن ذلك أجمع للفكر و الفهم و أقرب لصفاء الذهن و أسلم لحسن القصد 

الإخلاص لله جل جلاله في كل ما يأتي و مايذر في ميدان الحوار 

نماذج من الحوار في الاسلام

من نماذج الحوار ما أمر الله سبحانه و تعالى به النبي صلى الله عليه و سلم في حوار أهل الكتاب 

 حوار موسى عليه السلام و فرعون 

أنه صلى الله عليه و سلم كان يربي أصحابه رضي الله عنهم على الحوار حتى في أحلك الظروف و في المواقف التي تستدعي أناة و ترويا و مثاله ما كان يوم الحديبية لما كتب الصلح و رأى بعض المسلمين فيه احجافا وقع بين بعضهم و بين النبي صلى الله عليه و سلم 

حوار بعض الصحابة رضي الله عنهم حول جمع القرآن الكريم 

حوار ابن عباس رضي الله عته للخوارج