ملخص الدرس / الثآنية ثانوي/فلسفة/المشكلة وإلاشكالية/السؤال والمشكلة
المقدمة : طرح المشكلة
من العبارات التي ألفنا سماعها واستعمالها في حديثنا اليومي، أنه لكل سؤال جواب.
ولكن هذا الجواب قد يكون سهلا، وقد يكون صعبا. وصعوبة الإجابة لا تتولد عنها فقط، إجابات قابلة للنفي والإثبات معا، بل قد تتولد عنها إجابات لا هي قابلة للإثبات ولا هي قابلة للنفي. كيف ذلك؟
I- ملاحظة وضعيات والتعليق عليها :
أولا : ملاحظات وضعيات: لاحظ معي الأسئلة الآتية:
1- ما اسم الثانوية التي تدرس بما؟
2- (1 + 1) يساوي كم؟
3- متى استقلت بلادك (اذكر التاريخ)؟
4-هل الماء جسم بسيط أو مركب؟
5- في بداية الثلاثي الأول من السنة الدراسية، وقبل أن تتخطی صباحا عتبة باب الثانوية، تكتشف - وهذا قبل موعد الحصة بعشر دقائق - أنك نسيت كتابك الخاص بالنصوص الفلسفية، و تتردد في الدخول؛ وتشعر بأنك تواجه أمرا مستعصيا يحتاج إلى حل مستعجل، وتتساءل: ما العمل؟
6- هل الاستنساخ الباثولوجي حلال أو حرام؟ خير أو شر؟ نافع أو ضار؟
ملاحظة وضعيات و التعليق عليها
1- إن الجواب عن السؤال ال (1) لا يحتاج إلى جهد كبير، لأنه جواب بدیهي، يجود به الحيل العام الذي نعيش فيه.
2- والجواب عن السؤال ال (2) هو كذلك لا يحتاج إلى إعمال العقل، لأنه نشاط رياضي آلي ، وهذه الآلية سببها الممارسة الطويلة.
3- والرد على السؤال ال (3) يستدعي شيئا من التذكر فضلا عما يجود به المحيط العام الذي نعيشه. أما مقاییسه، فهي عامة.
4- وعندما يواجهنا السؤال ال (4)، لا يسعنا في الرد عليه، إلا الاحتكام إلى المقاييس العلمية التي اكتسبناها في الدروس والمخابر الكيميائية.
5- و يجد المتعلم نفسه أمام السؤال ال (5) في وضعية مقلقة ومحرجة، نقول وضعية الأنما حالة يعيشها هو بنفسه من الداخل، ويتحتم عليه مواجهها. ومن العناصر التي يدرکها، وتتشكل منها العقبة أمامه:
أ- أهمية بداية الثلاثي الأول: وهي الفترة التي يجب أن يبدي فيها المتعلم الجدية والانضباط والانتباه؛
ب- عشر دقائق فقط، قبل بداية الدرس، أي لم يبق له متسع من الوقت حتى يعود إلى البيت حيث يقتني كتابه ؛ .
ج- عواقب نسيان كتاب النصوص: ومما يترتب عنه، عدم رضا الأستاذ عنه
وصعوبة تتبع الحصة الخاصة بدراسة النصوص الفلسفية، و إحراج زملائه في مساعدته ؛
د- استعجال البحث عن حل، وهذا يستدعي وضع فروض و احتمالات منها: البحث عن الكتاب داخل الثانوية لدى بعض الأصدقاء - من قسم آخر ومن نفس الصف - الذين يحضرون الحصة في ساعة موالية، أو السؤال عنه في المكتبة إذا كانت مفتوحة، أو ف يصل عن طريق النقال بمن يحمله إليه؛
6- و في السؤال ال (6) لا يبدو بأن الإجابة ستكون بديهية، لأنما:
أ- تحتاج فيها إلى اطلاع کاف على ظاهرة الاستنساخ والتمييز بين الاستنساخ المفتوح والاستنساخ الباثولوجي أو العلاجي.
ب- وإلى اطلاع کاف على حكم الدين فيها، هل هي حلال أم حرام؟
ج- و اطلاع کاف على رأي علماء الأخلاق، هل هي خير أم شر؟
د- و اطلاع کاف على رأي علماء الاجتماع، هل هي نافعة أو ضارة؟
ه- هذا فضلا، عما تثيره القضية في النفس من إحراج على مستوى العقيدة، وعلى مستوى التقدير الذاتي، وعلى مستوى العقل المنطقي والفلسفي. ومن ذلك، أنه ليس م ن الضروري أن تحيب كمذا أو بذاك، أي أن تختار إحدى الإجابتين الجاهزتين: فقد لا تختار مثلا، في مستوى العقيدة الحلال أو الحرام؛ فقد ترى أنه مثلا، جائز أو مندوب أو مكروه؟ وكذا الأمر بالنسبة إلى تقدير المنفعة والضرر أو الخير والشر والثنائية منطقها: فقد يكون الأمر نافعا ضارا، أو يكون خيرا شرا بدون تحديد رياضي دقيق لنسبة تأثير الواحد في و الآخر.
تصنيف الاسئلة
من هذا التعليق، يمكننا تصنيف الأسئلة إلى أربعة أنواع:
1- صنف الأسئلة المبتذلة: وهي أسئلة تتحكم في الإجابة عنها، العادة والمألوف والحفظ. وبقدر ما تكون هذه الضوابط محصنة، تكون الإجابة في هذا النوع من الأسئلة يسيرة لا تثير قلقا ولا دهشة؛ (الأسئلة الثلاثة الأولى).
2- صنف أسئلة المكتسبات: وهي أسئلة تحكمها المعطيات العلمية التي اكتسبناها السؤال (4)
3- صنف الوضعيات العملية وهو صنف يقحمنا في وضعيات عملية محرجة تدعونا إلى إعمال الفكر للبحث عن مخرج براغماتي مناسب (الوضعية 5)
4- صنف الأسئلة الانفعالية وهو صنف يثير التوتر النفسي والعقلي، يقحمنا في قضايا دينية واجتماعية و فام، غية. وهي قضايا لا تحلها العادة ولا المحفوظ الجاهز (الوضعية 6).
وإذا نحن تجاوزنا الأصناف الثلاثة لكوفا – نسبيا - أسئلة في متناول كثير من الناس، ووقفنا عند الصنف الأخير، دفعنا الفضول إلى توسيع معرفتنا بطبيعة الانفعال التي تثيرها الأسئلة المنضوية تحت هذا الصنف
ملاحظة وضعيات و التعليق عليها
أولا: ملاحظة وضعيات النلاحظ الوضعيات الآتية:
1- مترض أنه يطلب منا الاختيار بين قضاء العطلة على شواطئ البحر، وقضائها في دار الثقافة البلدية. إن هذه الوضعية تحتم علينا الاختيار بين الاثنين: فإما نختار الانتقال إلى شواطئ البحر، أو نختار الانتقال إلى دار الثقافة للبلدية. ومهما كان اختيارنا، وجب علينا تعليم مبررات تعلل الاختيار . ولكن يحتمل ألا نطمئن لا إلى هذا، ولا إلى ذاك؛ فنختار البقاء في البيت أو الخروج إلى الهواء الطلق. فالسؤال الذي يخيرنا بين اثنين، لم يأخذ بعين الاعتبار احتمال تجاوز العارفين.
2- لقد وجد تور شلي نفسه أمام الوضعية التالية:
أ- ما أنه شاعت بين الناس فكرة أرسطية تقول، إن الطبية تخشى الفراغ أي أن الطبيعة تملأ الفراغ في كل الأحوال؛
ب- ومن جهة أخرى، سجل ما لاحظه ستاؤو فلورنسا في حيرة من أن الماء لا يرتفع في المضخات الفارغة أكثر من 10.33 أمتار. وأمام هذه الوضعية، اضطر تورشلي إلى الفصل في القضية: فإما أن يأخذ بالفكرة الأرسطية ويرفض حادثة امتناع الماء من الارتفاع أكثر من 10.33 أمتار، أو العكس أي يأخذ بحادثة الماء و يرفض الفكرة الأرسطية. لقد تم عملية الموقف دراسة الظاهرة المشاهدة وتفسير طبيعتنا، و أثبت أن وجود قوة الضغط الجوي هي السبب في تحديد ارتفاع الماء في الأنبوب؛ فكلما كان الضغط أقوى، كان الارتفاع اعلی. و لقد وجد للقضية مخرجا للقضية، وهذا لسببين على الأقل:
* لتجاوز التناقض بين فكرة أن الطبيعة تملأ الفراغ وامتناع ارتفاع الماء لوجود الفراغ في الأنبوب
* وللفضول العلمي ومعرفة الحقيقة.
ثانيا: التعليق عليها :
إن الوضعية العملية الأولى، أدى الخرج منها، إلى تجاوز الاحتمالين نحو احتمال ثالث مع تقديم كل المبررات المناسبة للموقف.
أما الوضعية الثانية الحاملة للتناقض، فلقد أفضى المخرج منها، إلى إثبات خطأ الفكرة الشائعة وإرساء حقيقة علمية على أساس البحث والتجريب. ولكن، مهما كانت الوضعيتان مثيرتين لبعض الإحراج والقلق، فإن هناك ما يدعو إلى التمييز بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي.
السؤال العلمي و السؤال الفلسفي
أولا: السؤال العلمي
إن مجال السؤال العلمي هو المحسوسات أي عالم الطبيعة، وما تستوجبه من التخصصات الجزئية. فهو لا يتناول كل الظواهر الطبيعة في شكلها الشامل كما هو الشأن في السؤال الفلسفي؛ فهو يتناول عالم الطبيعة من زوايا متفرقة. أما الأمور المستعصية فيه، فحل بالتجريب وما يقتضيه من اختبار الفروض المحتملة وحسابات رياضية مناسبة. والعقبات العلمية التي تواجهنا، تتفاوت في الصعوبة. فالانتقال من الماء الكيميائي إلى "توقف الماء" هو انتقال من سؤال علمي بسيط إلى سؤال علمي محرج.
يتخذ السؤال العلمي من ظواهر الطبيعة الجزئية مجالا له، لأنما تخضع للحواس، ويطمئ إلى الحال الذي يستفي فيه التجربة الحسية وحدها أو يستفي فيه جامع الحقائق العلمية. فطبيعة الموضوعات الي يعني بهما السؤال العلمي هي طبيعة حسية يتيسر علاجها باصطناع المنهج العلمي الذي يقوم على المشاهدة والتجربة .
ثانيا: السؤال الفلسفي
أما السؤال الفلسفي، فإنه يتعلق بما وراء الطبيعة، فهو يقتضي في موضوعاته، الانتقال من مجال البحث الواقعي إلى مجال البحث عن العلل الأولى للموجودات. والإجابة عنه ليست بديهية، وذلك نظرا إلى القلق الذي يثيره في الباحث وإلى ضرورة استعمال الحكمة و مناهج الاستنباط العقلي. فهو يخاطب فيه، منطق العقل والحكمة، لا منطق الخرافة والاعتماد الجامد.
متى لا يكون للسؤال جواب ؟
لا يكون له جواب، عندما يتحول السؤال إلى مشكلة أو بالأحرى إلى إشكالية، أي عندما تكون الإجابة معلقة أو تحتمل صدق وكذب الحالتين المتناقضتين معا. وهذا يعني أن الجواب إذا وجد، فإنه يكون مثار استغراب، لأن الجمع بين المتناقضين مثلا، قضية مرفوضة في قواعد المنطق.
أولا: ملاحظة بعض المشكلات المختلفة لاحظ معي المشكلات الخمس التالية:
1- أيهما أسبق البيضة أو الدجاجة؟
2- مل انمائي لانمائي حقيقة؟
3- هل التسامح يحتضن اللاتسامح؟
4- هل الديمقراطية تتعايش مع اللاديمقراطية؟
5- "أنا أسكن في مدينة (س)، و كل من يسكنها شو كاذب"، هل هذه القضية صادقة أم كاذبة؟
و مهما كان نوع هذه الأسئلة الفلسفية، فإن الجواب يدور في حلقة مفرغة، لأنما علی حد تعبير الفلاسفة إشكالية
ثانيا: التعليق عليها
1- في القضية الأولى نجد أنفسنا أمام المفارقة التالية: إن البيضة هي الكائن الحي الأول في الزمان، لأنما مصدر وجود الدجاجة. ولكن هذه البيضة هي نفسها تستمد وجودها من الدجاجة. و أمام هذا الوضع، نقع في أمر غريب وهو أن (أ) أي البيضة أصدر (ب) أي الدجاجة وصادر عنه أي عن (ب). وهذا موضوع فلسفي يبحث عن حل وما يزال.
2- وفي القضية الثانية، نجد أنفسنا أمام إجابات متناقضة بالنظر إليها جملة، ولكنها صحيحة بالنظر إلى كل إجابة مأخوذة على حدة: ففي الرياضيات، مهما زاد العدد فوق الصفر أو زاد تحته، فإن مفهوم اللانهائي هو حقيقة لا يمكن رفضها. وفي مقابل ذلك، فإن اللانمائي في الفيزياء لا معنى له، ما دامت الظواهر الطبيعية تستجيب لنظام الكون، وتفهم في إطاره. وتزيد المفارقة تعقيدا، عندما نطرح المأزق الذي وقع فيه أخيل عندما أخذ مسافة معينة أي (م) محددة وقرر أنه يبدأ بقطع نصف المسافة (م) ثم نصف النصف أي الربع ثم الثمن؛ وهكذا، من غير أن يصل إلى نهاية. وهذا يعني أن المسافة المحدودة تحمل داخلها مسافات لامحدودة. وعلى هذا الأساس، نتساءل، كيف يمكننا الحديث عن اللانهائي المطلق الإيجابي (+) واللامائي المطلق السالب (-)، وكلاهما ينطلق من نقطة الصفر أي النقطة التي تفصل (+) عن (-)؟ وأما الرسامون الذين حاولوا التعبير عن اللامائي في إنتاجاتهم الفنية فإلم في الحقيقة جعلوا له ځاية، أي جعلوا ماية لما لا نماية له.
3- وفي القضية الثالثة، حيرة: هل الشيء يحتضن نقيضه؟ هل التسامح باسم المسامحة قبل ما يسعى إلى نفيه أي إلى نفي التسامح مع العلم بأنه لا معنى للتسامح إن تقيد بشر و دل الرفض و التعصب؟
4- وكذلك الأمر بالنسبة للديمقراطية، لأنما تحتضن التنوع، سواء كان هذا التنوع اختلافا بسيطا أو اختلافا يصل إلى التضاد. ولكن، ألا يكون هذا خطرا على الديمقراطية بحيث ينتصر النقيض الأقوى، على النقيض الآخر.
5- "أنا أسكن في مدينة (س)، وكل من يسكنها هو كاذب"، هل هذه القضية صادقة أم كاذبة؟ فالقائل يجب أن يكون كاذبا، ما دام هو من سكان هذه المدينة.
أ- أنا أسكن في مدينة (س)،
ب- وكل من يسكنها هو كاذب
ج- فأنا إذن كاذب
وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد من أن نأخذ كلامه على أساس أنه كاذب، و إذا كنا لم نصدق ما قاله عن أهل المدينة، أخذنا بضد ما قاله أي أتمم ليسوا كاذبين فهم صادقون. ولك انطلاقا من كذبه، يوصلنا إلى النقيض؟
خاتمة : حل المشكلة
يمكن القول من الناحية المبدئية، بأن لكل سؤال جوابا. فقا. يكون الجواب بسیرا و معروفا، لا يتطلب جهدا كبيرا ولا إبداعا، إذا كان السؤال من صنف الموضوعات المبتذلة التي لا تثير فينا، إحراجا ولا دهشة. وفي حالة تقدم السؤال في شكل وضعيات مستعصية، تأخذ الصعوبات في الظهور وتشتد. وعندما تصل هذه الصعوبات إلى غاياتها بالنظر إلى طبيعة المجال الذي تنبثق منه، وإلى حجم وقوة الانفعال الذي تنيره، يعسر الجواب، فيعلق بين الإثبات و النفي تارة، ويطرح في حلقة مفرغة تارة أخرى، وقد يسكت عنه في حالة من الحيرة والارتياب. وعندئذ نقول: إن السؤال ما يزال ينتظر جوابا. وهذا النوع من السؤال يتحدنا بلحمها ودمنا، وبكل جوارحنا وكياننا في وضعية تربك سكينتنا العقلية والمنطقية و النفسية (من موازین و قواعا. و عتائا.). وهذا هو الذي يتحدث عنه الفلاسفة في تعرضهم للمواقف المشكلة. ومن هنا، ترانا نتساءل: هل كل سؤال هو مشكلة؟ وهل كل مشكلة سؤال؟ وهل الإشكالية مرادفة لها؟