ملخص الدرس / الثآنية ثانوي/فلسفة/ اليات التفكير المنطقي /انطباق الفكر مع الواقع
الملخص
من الأستاذ(ة) سعدودي نسيبةكيف ينطبق الفكر مع الواقع؟
انطباق الفكر مع الواقع معناه إن الأفكار التي لدينا حول مختلف الأشياء ، و الأحكام التي نكونها عنها يؤكدها الواقع فلا شيء في الذهن ما لم يوجد في الحس . لنأخذ ظاهرة قوس قزح-أو ظاهرة سقوط المطر ونحاول تفسيرها علميا، سنرد الظاهرتين إلى عوامل موضوعية مستقلة عنا وهي اصطدام أشعة الشمس بقطرات الماء الموجودة في السحب فينحل الضوء إلى مكوناته الأساسية ليتشكل قوس قزح ، أما الظاهرة الثانية تعود إلى تبخر المياه بفعل الحرارة ثم التكثيف ليعود تساقط المطر من جديد.
مثل هذه الظواهر تحتاج إلى ملاحظات حسية ، وتجارب مخبريه لمعرفة أسبابها وقوانينها العامة .هذا هو المنهج الاستقرائي العمود الفقري للمنطق المادي Logique Matérielle.
ما هو الاستقراءInduction ؟ : هو استخلاص القواعد العامة من الأحكام الخاصة ، وهو نشاط فكري تصاعدي ، ينتقل فيه الذهن من قضايا جزئية إلى قواعد كلية . فعندما نقول الذهب معدن تمدد بالحرارة.النحاس والفضة والحديد اثبت الواقع أنها معادن تتمدد بالحرارة. .هذه طريقة العلماء في تفسير الظاهر الطبيعية ، و في استخلاص القوانين العامة التي تنطبق على العينات.
-الاستقراء يقوم على مبدأ السببية العام كما يقول كانط.
-الالتزام بمبادئ السببية causalité كل ظاهرة لها سبب أدى إلى وقوعها –والحتمية Déterminisme نفس الأسباب تؤدي حتما إلى نفس النتائج مهما تغير الزمان والمكان.
ويقوم الاستدلال التجريبي على الخطوات الإجرائية التالية ، تسمح بتطابق النتائج مع الواقع.
ا-الملاحظة : Observation هي تركيز الحواس والعقل والشعور صوب الظاهرة ومتابعة تحركاتها وتغيراتها مثال: ملاحظة نيوتن لسقوط التفاحة.ملاحظته لقوس قزح ..... أو ملاحظة كلود برنارد لتغير بول الأرنب إلى صاف بعد حجبها عن الطعام...الخ
ب- الفرضية: Hypothèseهي تفسير عقلي مؤقت للظاهرة ، نتخيل فيه سبب حدوث الظاهرة يقول كلود برنار"الفرض هو نقطة الانطلاق الضرورية لكل استدلال تجريبي . ولولاه لما أمكن القيام بأي استقصاء"
مثل فرضية كلود بنار قد تكون هذه الأرانب في شروط غذائية مماثلة لأكلة اللحم .
ج-التجربة :EXPERIENE هي إعادة وقوع الظاهرة في ظروف اصطناعية لتحقق من صحة الفرضيات .:مثلا كلود برنارد قدم عشبا لهذه الأرانب فأكلته، فصار بولها معكر ثم صومها فأصبح صافيا.
إذن ككل الأرانب إذا ما فرغت بطونها تغذت من اللحم عن طريق عملية الامتصاص الداخلي.
وقد وضع جون ستيوارت ميل أربعة قواعد للاستدلال التجريبي هي:
-1 قاعدة الاتفاق أو التلازم في الوقوع: نقارن بين الحالات التي تقع فيهم الظاهرة و العامل المشترك هو سبب حدوثها –مثال ويلزWells في تفسيره لظاهرة الندى حيث استنتج مايلي-أن الجسم الطلب إذا كانت درجة حرارته اقل من الهواء الخارجي تشكل الندى على سطحه.
-2قاعدة الاختلاف أو التلازم في الغياب: نقارن بين حاليتين يكون العامل المختلف هو علة وقوع الظاهرة مثال لويس باستور في تفسيره لظاهرة التعفن وضع أنبوبين بداخلهما محلول السكر ، الأول مغلق والثاني معرض لهواء ،وبعد مدة لاحظ أن الأنبوب الثاني تعفن ،فاستنتج أن التعفن يعود إلى الهواء الخارجي.
-3قاعدة التغير النسبي: مثال الأطباء الانجليز في تفسيرهم لوباء الكوليرا ، فلاحظوا ظاهريتين تتغيران نسبيا .كلما اقتربنا من نهر التايمز زاد عدد المصابين بالكوليرا وكلما ابتعدنا عنه قل هذا العدد ، فاستنتجوا أن النهر هو سبب الوباء.
-4قاعدة البواقي: مثال لوفيري في تفسيره للانحراف في مدار كوكب أورانوس،حيث رد الجزء إلى الكل واستنتج ضرورة وجود كوكب مجهول يؤثر على كدار أورانوس ، وهذا الكوكب هو نبتون الذي اكتشفه غال Gallسنة 1846.
النقد: رغم أهمية هذا المنطق من الناحية العلمية والتقنية إلا انه يبقى عاجزا أمام الظواهر المعنوية التي لا تدرك بالحس. كمسالة حرية الإنسان ومشكلة العدالة الاجتماعية والأخلاق والسعادة والشجاعة وغيرها من القضايا الفلسفية التي تعتمد على التأمل العقلي وتقتضي عدم تناقض الفكر مع نفسه بالدرجة الأولى.
التركيب: لا يمكن فصل الاستقراء عن الاستنتاج من الناحية العلمية .فالعالم كما يؤكد برتراند راسل ينتقل من ملاحظات جزئية ليصل في النهاية إلى قواعد كلية. ثم ينتقل من هذه الأخيرة ليعمم حكمه على ظواهر جزئية جديدة تنتمي إلى نفس النوع فمبدأ التعميم المعروف في العلم يقوم على القياس ، وهذا يعني قواعد المنطق الصوري والمنطق المادي متكاملة، كما أن المواضيع العلمية تحتاج إلى منطق تجريبي والمواضيع الميتافيزيقية تحتاج إلى منطق صوري ينسجم مع طبيعتها فكلاهما ضروري للمعرفة الإنسانية.
حل الإشكالية:
أن منهجية التفكير حسب طبيعة الموضوع المدروس ، وعليه يكون التفكيري منطقيا إذا تطابق مع نفسه ومع الواقع.
هل الحقيقة مطلقة أم نسبية؟
مقدمة:
عادة ما ترتبط المعرفة بالإنسان ، لأنه هو الوحيد الذي يملك استعدادات فطرية تمكنه من تحليلها ، وأقصى ما يطمح إليه هو إدراك الحقيقة، والتي تعرف على أنها المعرفة الشاملة والكاملة بالواقع ، ولما كانت مرادفة لما هو ثابت ومستقر أصبحت تتصف بأنها مطلقة ، والسؤال الذي يطرح في هذا المقام هو: هل الإنسان قادر بالفعل على بلوغ الحقيقة المطلقة وهو الكائن النسبي؟ أليس هذا تناقضا؟ لقد تباينت مواقف الفلسفة ، فمنهم من اقر بوجود حقيقة مطلقة ما دامت الأشياء متضمنة لصفاتها في ذاتها والعقل هو المدرك لها ، وفي المقابل هناك من يؤكد عدم إمكانية بلوغها ، ويرى أن الحقيقة لا تتجاوز النسبية ولا وجود لشيء نهائي يجب الوقوف عنده ما دام العالم في تغير مستمر . فأي الموقفين يعبر عن الحقيقة؟
الموقف الأول:
يرى فريق من الفلاسفة أن الحقيقة المطلقة ممكنة طالما هذا الإنسان يملك عقلا مفكرا. وهنا نجد أفلاطون قديما يميز بين عالميين ، عالم المحسوسات وعالم المثل، فالأول يمثل العالم المادي المحسوس المتغير، وموجداته هيا بمثابة ظلال وأشباح لعالم المثل ، وهذا الأخير يمتاز بأنه عالم معقول وثابت كامل، وفيه توجد النماذج العليا لكل مجوداته ، كما انه خاص بالموهوبين ولا تدركه الأبصار وفيه يعاين الفيلسوف سلسلة من المثل كالخير والجمال المطلقين والدائرة الكاملة ،لهذا كانت الحقيقة المطلقة مجسدة في الفكر الذي ينتقل بنا من الأدنى إلى الأعلى أو من الأعلى أو من المحسوس إلى المجرد ، وقد جاء أفلاطون بنظرية المثل لان المحسوسات تختلف من صفاتها ولذلك فليس هناك صفة ذاتية مشتركة ، فالهندسة مثلا ليست هي عالم مسح الأراضي ولكن هي النظر في الأشكال ذاتها ، وكذلك عالم الحساب ليس هو علم الجزيئات كما يفعل التاجر بل هو عالم الأعداد هادفا إلى الوصول إلى درجة العقلانية التامة وعليه أصبحت المثل عند أفلاطون تحدد المعيار الذي يجب أن يسير عليه الفرد، هي عامة ومشتركة لدى الجميع ، معقولة لا حسية ، تطبق في كل زمان ومكان لأنها لا تتأثر بالظروف والتجربة ن وهذا دليل على أن الحقيقة لا توجد في الواقع المحسوس والمتغير.
وفي السياق نفسه نجد أرسطو يؤكد على صفة المطلقية بالنسبة للحقيقة، إلا انه يختلف مع أستاذه أفلاطون في الاعتقاد بوجود حقيقة ثابتة لهذا العالم، فكل شيء فيه عبارة عن جوهر –ماهية* وصورة ، والجوهر هو الحقيقة الثابتة التي يجب على المفكر أن يصل إليها وان يدركها في شكلها المطلق ، لأنه حقيقة لا حقيقة فوقها، فلكي يوجد الشيء لابد له من جوهر كنقطة بداية، هذا الشيء الجزئي يخضع إلى معرفة استقرائية ، أي معرفة بالجزيئات ، والمعرفة الحسية لا تخطئ الحكم الصادق مادام البرهان العلمي يعتمد على الشيء الظاهر وكان هذا الأساس تساءل كيف تمت هندسة الكون الواسع بأشكال لا نهاية لها وهو لا يقبل أن تكون الحركة بلا بداية فلا بد أن يكون الحركة مصدر وهو الله المحرك الأكبر فهو لا يتحرك وهو كائن غير مرئي لا يتغير انه السبب النهائي للطبيعة والقوة الدافعة للأشياء وأهدافها ولهذا كانت الحقيقة عند "أرسطو" تكمن في المحرك الذي لا يتحرك ويقصد بالمحرك –الله- الذي يمثل جوهر الوجود.
هذا بالنسبة للفطنة الكلاسيكية لمشكلة الحقيقة أما إذا نظرنا إلى صفة المطلقية للحقيقة في الفلسفة الحديثة فإننا نجد "ديكارت" لا يعترف بالمعرفة الحسية وجعل من الشك الطريق الأساسي لبلوغ الحقيقة ووسيلة في ذلك هي العقل نفسه فالحقيقة عنده هي مالا ينتهي إليه الشك وعلى هذا الأساس لا يكون الحقيقي إلا ما هو واضح وبديهي ومتميز أو بتعبير أخر أن معايير الحقيقة تتخلص في البداهة والوضوح ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم الكوجيتو الديكارتي أنا أفكر إذن أنا موجود فخاصة التفكير هي حقيقة الوجود البشري حسب ديكارت فإذا توقف الإنسان عن التفكير توقف عن الوجود لهذا نجده يؤكد على الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقة وهو الوضوح الذي يرتفع فوق كل شيء ويتجل هذا في البديهيات الرياضية التي تبدو ضرورية و واضحة بذاتها كقولنا اكبر من الجزء وهو القائل أن الأشياء التي نتصورها تصورا بالغ الوضوح والتمييز هي صحيحة كلها.
أما بالنسبة "لسيتوزا" فهو يرى انه ليس هناك معيار الحسية خارج عن الحقيقة فهل يمكن أن يكون هناك شيئا كثر وضوحا و يقينا من الفكرة الصادقة يصلح ان يكون معيارا للحقيقة" فكما النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذب وفي السياق نفسه نجد المتصوفة يعتبرون الحقيقة المطلقة هي الحقيقة المصوفة باعتبارها شعور يستولى على المتصوف عند بلوغ الحقيقة الربانية المطلقة عن طريق الحدس ويصل المتصوف إلى هذه الحقيقة بعدة طرق فقد تكون من خلال الاتحاد بالله عن طريق الفناء كما يؤكد على ذلك "أبي يزيد البسطامي" أو عن طريق حلول الله في مخلوقاته فيما يذهب إليه"الحلاج" أما الطريق الثالث فيجسد التقاء وجود الخالق و وجود المخلوق إثباتا لوحدة الوجود كما يقول " ابن عربي " ولا يتم له ذلك إلا بمجاهدة النفس بدلا من البحث عن الحقيقة الإلهية-الربانية وهذا من خلال الكشف الذي يقابل البرهان العقلي عند الفلاسفة والمتكلمين. ويقول "أبو حامد الغزالي" (الكشف هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغبية والأمور الحقيقية وجودا وشهودا الأول طريقة الإلهام وهو العلم الذي يقع قي القلب بطريق الفيض من غير استدلال ولا نظر بل بنور يقذفه الله في الصدر أما الأمور الحقيقية فطريقها الحدس حيث يمكن للشخص المؤيد النفس بشدة الصفاء وشدة الاتصال بالمبادئ الحلقية إلى أن تحصل له المعارف حدسا وبهذا أصبح المتصوف يصل إلى مرتبة الاتحاد بالله حيث يكون الله والمخلوقات حقيقة واحدة هي عله لنفسها ومعلولة لنفسها أما السعادة عند الفلاسفة فتتحقق بمجرد اتصال الحكم بالله دون اندماجه في الذات الإلهية.
وفي السياق نفسه وبعيدا عن النظرة الصوفية نجد ابن رشد فيلسوف قرطبة يرى أن الحقيقة الدينية واحدة ولكن طرق تبليغها متعددة بتعدد طبائع الناس ومستويات إدراكهم العقلي. وفي هذا الإطار يتحدث ابن رشد عن ثلاثة شرائح من الناس هم: أهل البرهان، وأهل الجدل ، وأهل الخطابة، وإذا كان مصدر الحقيقة الدينية هو الوحي فهي حقيقة واحدة و مطلقة ولا يمكن الشك فيها من قبل الإنسان المؤمن،والشيء نفسه فيما يخص الحقيقة الفلسفية التي تتأسس على البرهان العقلي الذي إذا التزمنا بقواعده فإننا حتما نصل إلى نتائج.
انطلاقا من هذا رأى ابن رشد أن الحقيقة الفلسفية لا تتعارض مع الحقيقة الدينية لان كليهما مطلقتان ومتوفقتان ،لان الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له.
النقد1:
من هذا أصبحت الحقيقة حسب ما أكد عليه العقليون وحب النظرة الصوفية تتصف بالمطلقة .لكن بالنظر على هذا التصور من زاوية تطور التفكير وخاصة التفكير العلمي، فإننا نجد أن النسبية خاصة أساسية من خصائصه ومن الأزمات التي عاشتها المعارف المتوصل إليها من طرف العلماء قديما وحديثا وتغيرها إلا دليل على ذلك ، ومن جهة أخرى بماذا نفسر تحول النظام الثابت الذي تخضع له الظاهر الطبيعية ، حيث أصبح في العصر الحديث والمقام ينطبق على بعض الظواهر فقط لهذا فان الحقيقة نسبية وليست بإمكان الإنسان أن يعتنق المطلق باستعدادات محدودة ، ولذلك فان الإيمان بوجود حقيقة مطلقة يجعلنا نلجأ إلى معيار ذاتي باعتبارها مرتبطة بالإدراك العقلي ، وهذا الأخير لا يخلو من الاعتبارات الشخصية ، حيث تتدخل الميول والرغبات والآراء الشخصية لكي تجعل الفكرة صادقة ، بدليل أن قضية حركة دوران الأرض حول الشمس التي هي قضية واضحة بالنسبة ألينا اليوم ، في حين أن ثباتها كانت فكرة صحيحة لذا خصوم "غليلي" ، ولكنها فكرة خاطئة ، لهذا فالشعور بالبداهة والوضوح والإدراك العقلي لمختلف الموضوعات لا يمكن أن يكون برهانا مطلقا على وجود حقيقة مطلقة.
الموقف2:
وقد كان لانتشار مختلف النظريات العلمية والفلسفية في مختلف المجالات المعرفية تأثيرا في جعل الحقائق العلمية تقريبية خاصة مع ظهور النسبية العددية للفيزيائي "اينشتاين" ومن ثمة تبدد الرأي الذي أكد على وجود حقيقة مطلقة ،فاتحا المجال لظهور رأي مخالف يحكم على الحقيقة بالنسبية وبذلك نجاوز اليقين و المطلقية . ومن دعاة هذا الاتجاه نجد أنصار العلوم التجريبية .المعرفة العلمية الدين يؤكدون على نسبية الحقيقة فلا وجود لشيء ثابت حسب نظرية الفيزيائي "هايزلبيرغ "في علاقات الارتياب التي تؤكد استحالة تحديد موقع الإلكترون وسرعته في أن واحد ، والتي طرحت مشكلة الحتمية في العلم ، وبما أن التوقع أصبح مستحيلا في الفيزياء الدرية فالتصور الكلاسيكي للحتمية ينهار تماما ليحل محله الاحتمال.
والصورة نفسها التي ميزت مجال الفيزياء تنطبق على الرياضيات باعتبار أنها كانت تجسد مثالا لليقين والدقة و المطلقية ،حيث نجد هذا اليقين في عصرنا أصبح نسبي.
ومع ظهور الهندسة اللااقليدية مع لوباتشوفسكي1793-1856 وريحان الألماني 1826-1866 فكانت المسلمة التي وضعها إقليدس والتي أثارت الكثير من الشكوك تلك المعروفة بمسلمة التوازي وتصاغ عادة كما يلي : من نقطة خارج مستقيم يمكن رسم مستقيم واحد فقط موازي للأول ،وعلى أساس هذه المسلمة يبرهن إقليدس على عدة قضايا في مجال هندسة ومنها على الخصوص القضية القائلة: أن مجموع زوايا المثلث تساوي180 درجة، فكانت محاولة لوباتشوفسكي –الجريئة قائمة أساسا على البرهان بالخلق حيث حدد مسلمات إقليدس التي تجسد عكس القضية لإثبات نقيض القضية فتوصل الى انه من نظريات هندسية من دون ان يقع في التناقض ،و نفس الشيء مع ريمان الذي افترض انه من نقطة خارج مستقيم لا يمر أي موازي له، وهذا ما يؤكد ان الحقيقة في الرياضيات المجردة لم تبق علم دقيقة ومطلق وإنما أصبح يتميز بالنسبية.
في بداية القرن 20م استغل أصحاب النظرة البرغماتية فكرة النسبية العلمية لبناء مذهبهم متخذين المنفعة مقياسا للحقيقة،وأصبحت حقيقة الشيء تكمن في كل ما هو نفعي عملي ومفيد في تغيير الواقع والفكر معا في هذا يقول وليام جيكس:"يقوم الصدق لكل بساطة فما هو مفيد لفكرنا وصائب فيما هو مفيد لسلوكنا"هكذا فان الذاتية متناقضة فإذا كنت تعتقد أن أراء غيرك صادقة نسبيا فكانت ترى رأيك صادقا صدقا مطلقا مثلما اعتقدت أن الأرض كروية واعتقد غيرك أنها مسطحة يقول جيمس :"إن الناس يعتقدون في القرون الماضية أن الأرض مسطحة ونحن معتقد اليوم أنها مستديرة ، إذن الحقيقة تغيرت وأنت ربما تقتنع بهذا القول ولا يقتنع غيرك" وبهذا فالحقيقة عندك جيمس ليست غاية في ذاتها وإنما هي مجرد وسيلة لاشياع حاجيات حيوية أخرى، كما أن استمرار تاريخ الفكر البشري يؤكد على أن الحقيقة لم تستطع أن تتواجد في معزل عن الحقيقة ونقصد بذلك نقائض الحقيقة وأضدادها ، فلكي يكون العلك مطلقا -نهائيا- لا بد أن يكون تاما إلا أن هذا لن يتحقق .يقول برنارد "يجب أن يكون حقيه كقنعة بأننا نملك العلاقات الضرورية الموجودة بين الأشياء إلا بوجه تقريبي كثيرا أو قليلا ، وان النظريات التي نمتلكها هي ابعد أن تكون حقيقة مطلقة"أنها تمثل حقائق جزئية مؤقتة وهذا يخالف الموقف الفلسفي المثالي الذي يعتقد الوصول إلى الحقيقة المطلقة، وفي هذا الصدد يقول بيرس: أن تصوراتنا لموضوع ما هو تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع أثار علمية لا أكثر ومعنى هذا القول : إن المعارف الصحيحة إنما تقاس بالنتائج المترتبة عنها على ارض الواقع.
وفي الفلسفة الوجودية نجد الفرنسي جون بول سارتر الذي يرى أن مجال الحقيقة الأول هو الإنسان المشخص ف وجوده الحسي وليس الوجود المجرد كما في الفلسفات القديمة ، وحقيقة الإنسان تكمن في انجاز ماهيته لأنه في بداية أمره لا يملك ماهية فهو محكوم عليه بان يختار مصيره ، وقد عبر سارتر عن فكرته هذه بقوله : سأكون عندما لا أكون أي سأكون ما سأكون قد أنجزته إلى حلول الحلول" ويقول أيضا : فانا افرغ ذاتي وكياني بأكملها في العمل وأنا ما افعله".
إذن الحقيقة حقائق وان المطلقية منها مقيدة بالمذهب والتصورات.
نقد2:
لكن بالنظر إلى موضوع الأحكام والقوانين العلمية نجده شيئا واحدا، وما تغير سوى أراء ،لهذا لا يصح القول بنسيبتها مثلما يعتقد هؤلاء ، بل الحقيقة مطلقة لان الأرض مثلا لا يمكن أن تكون مسطحة وكروية في أن واحد من حيث الشكل ولا وقعنا في التناقض، كما أن المعارف السابقة ليست كلها خاطئة وتاريخ العلم يؤكد على أن العلماء توصلوا إلى معارف جديدة انطلاقا مما هو سائد سابقا لان العلم ما هو إلا حلقات متصلة والعالم لا يمكنه أن ينطلق العدم لذا فالحقيقة صادقة في ذاتها متغيرة بالنسبة إلينا.
ومن جهة لا يمكن أن ننكر دور المنفعة في حياتنا العلمية، ولكن ذلك لا يؤهلها أن تكون مقياسا للحقيقة ،لان الحقيقة يجب أن تتميز بالشمولية والموضوعية ، ومنه فالفكر في البرغماتية تكون صحيحة لو انتصرت على الجانب العلمي التجريبي، فالحقيقة أسمى من أن تقتصر في المنفعة فالمنفعة قد تكون مقياسا لما هو مادي، ولكن لا يمكن أن تكون مقياسا عاما توزن به كل أفكارنا وقيمنا ، وانه مطلق يحط من قيمة الإنسان ، لان المنفعة كهدف ننجر عنها تجاوزات لا أخلاقية خطيرة .
أما الفلسفة الوجودية فقد حصرت الحقيقة في الإنسان وتجاهلت المواضيع الخارجية التي تكون مصدرا هاما لها، فالإنسان قد يعني نفسه ويدرك حقيقتها ، والوقت نفسه فهو يتوق إلى إدراك العالم الخارجي الذي ينطوي على الكثير من الظواهر والأشياء التي تستحق البحث والتنقيب ، ومن جهة أخرى فان الوجودية تضرب القيم الأخلاقية عرض الحائط ، لأنها تقف في وجه الإنسان وتحول دون تحقيق ذاته –ماهيته- وهدا أمر غير مسلم به على الإطلاق
التركيب:
ومن خلال ما تم ذكره نجد هناك من يعتبر الحقيقة مطلقة والبعض عكس ذلك ، لكن الواقع يبين أن الحقيقة العلمية في إطارها الخاص تصدق على كل الظواهر وتفرض نفسها على كل عقل وبهذا المعنى تكون مطلقة فحين نقول أن الماء يتكون من درتين من الهيدروجين ودرة من الأكسجين لا نعني بذلك كمية الماء التي أجريت عليها الاختبار بل نعني أية كمية من الماء على الإطلاق لا توجد هذه الحقيقة في عقل الإنسان الذي أجريت أمامه الاختبار بل في كل عقل بوجه عام،ولكننا قد نكتشف في يوم ما أملاحا في الماء بنسب ضئيلة فيصبح الحكم السابق نسبيا يصدق في إطاره الخاص، وهذا الإطار قد يكون هو المجال الذي تصدق فيه الحقيقة العلمية كما هو الحال بالنسبة لأوزان الأجسام التي يظل مقدارها صحيح في إطار الجاذبية ولكنها تختلف إذا نقلت إلى المجال الفضاء الخارجي لهذا فان الحقيقة المطلقة كثيرا ما يعبر عنها بالنسبية
الرأي الشخصي:
لكن الرأي الصحيح هو الذي يرى أن المعرفة الإنسانية نسبية بين الذات والموضوع المعروف وهي نسبية تجعل كلا منهما مشروطا بالأخر ، وهذا معناه أن العقل أن هو حاول إدراك المطلق فانه لا يصنع ذلك إلا بالنسبة للمقيد ، كما انه لا يتصور الثبات إلا في حالة وجود التغير ، وهذا يعني احتمال احد الأمرين:
إما أن تكون الحقيقة مطلقة ولا أمل في إدراكها من طرف مدرك ، وأما ا يدركها مدرك فتنتقل من المطلقية إلى النسبية ، يقول ج-س :" لا نعرف الشيء إلا من خلال جهة ما هو متميز عن غيره من الأشياء و أننا لا نعرف الطبيعة إلا بواسطة أحوالنا الشعورية ، ثم إن كل معرفة تابعة للظواهر وليست هناك معرفة في ذاتها أي مستقلة عم الموضوع المعروف"
الخاتمة:
وعليه فإننا نصل إلى أن الحقيقة متغيرة حقا نتيجة تعدد مجالات البحث ، لكن تغيرها يأخذ مصطلح التراكمية أي إضافة الجديد للقديم ، ومن ثمة فان نطاق المعرفة التي تنبعث من العلم يتسع باستمرار ومن هنا يكون انتقال العلم إلى مواقع جديدة على الدوام علامة من علامات النقص فيه، بل أن النقص يكمن في تلك النظرة القاصرة التي تتصور أن العلم الثابت والمكتمل ، وفي هذا تأكيد على أن الحقائق كلها نسبية وهي متعددة تابعة لمؤثرات بشرية وفكرية ورغم ذلك فان الإنسان يطمح إلى بلوغ الحقيقة الأولى مهما كان مفهوم الثبات
تعريف الإستقراء
انطباق الفكر مع الواقع معناه إن الأفكار التي لدينا حول مختلف الأشياء ، و الأحكام التي نكونها عنها يؤكدها الواقع فلا شيء في الذهن ما لم يوجد في الحس . لنأخذ ظاهرة قوس قزح-أو ظاهرة سقوط المطر ونحاول تفسيرها علميا، سنرد الظاهرتين إلى عوامل موضوعية مستقلة عنا وهي اصطدام أشعة الشمس بقطرات الماء الموجودة في السحب فينحل الضوء إلى مكوناته الأساسية ليتشكل قوس قزح ، أما الظاهرة الثانية تعود إلى تبخر المياه بفعل الحرارة ثم التكثيف ليعود تساقط المطر من جديد.
مثل هذه الظواهر تحتاج إلى ملاحظات حسية ، وتجارب مخبريه لمعرفة أسبابها وقوانينها العامة .هذا هو المنهج الاستقرائي العمود الفقري للمنطق المادي Logique Matérielle.
ما هو الاستقراءInduction ؟ : هو استخلاص القواعد العامة من الأحكام الخاصة ، وهو نشاط فكري تصاعدي ، ينتقل فيه الذهن من قضايا جزئية إلى قواعد كلية . فعندما نقول الذهب معدن تمدد بالحرارة.النحاس والفضة والحديد اثبت الواقع أنها معادن تتمدد بالحرارة. .هذه طريقة العلماء في تفسير الظاهر الطبيعية ، و في استخلاص القوانين العامة التي تنطبق على العينات.
-الاستقراء يقوم على مبدأ السببية العام كما يقول كانط.
-الالتزام بمبادئ السببية causalité كل ظاهرة لها سبب أدى إلى وقوعها –والحتمية Déterminisme نفس الأسباب تؤدي حتما إلى نفس النتائج مهما تغير الزمان والمكان.
ويقوم الاستدلال التجريبي على الخطوات الإجرائية التالية ، تسمح بتطابق النتائج مع الواقع.
ا-الملاحظة : Observation هي تركيز الحواس والعقل والشعور صوب الظاهرة ومتابعة تحركاتها وتغيراتها مثال: ملاحظة نيوتن لسقوط التفاحة.ملاحظته لقوس قزح ..... أو ملاحظة كلود برنارد لتغير بول الأرنب إلى صاف بعد حجبها عن الطعام...الخ
ب- الفرضية: Hypothèseهي تفسير عقلي مؤقت للظاهرة ، نتخيل فيه سبب حدوث الظاهرة يقول كلود برنار"الفرض هو نقطة الانطلاق الضرورية لكل استدلال تجريبي . ولولاه لما أمكن القيام بأي استقصاء"
مثل فرضية كلود بنار قد تكون هذه الأرانب في شروط غذائية مماثلة لأكلة اللحم .
ج-التجربة :EXPERIENE هي إعادة وقوع الظاهرة في ظروف اصطناعية لتحقق من صحة الفرضيات .:مثلا كلود برنارد قدم عشبا لهذه الأرانب فأكلته، فصار بولها معكر ثم صومها فأصبح صافيا.
إذن ككل الأرانب إذا ما فرغت بطونها تغذت من اللحم عن طريق عملية الامتصاص الداخلي.
وقد وضع جون ستيوارت ميل أربعة قواعد للاستدلال التجريبي هي:
-1 قاعدة الاتفاق أو التلازم في الوقوع: نقارن بين الحالات التي تقع فيهم الظاهرة و العامل المشترك هو سبب حدوثها –مثال ويلزWells في تفسيره لظاهرة الندى حيث استنتج مايلي-أن الجسم الطلب إذا كانت درجة حرارته اقل من الهواء الخارجي تشكل الندى على سطحه.
-2قاعدة الاختلاف أو التلازم في الغياب: نقارن بين حاليتين يكون العامل المختلف هو علة وقوع الظاهرة مثال لويس باستور في تفسيره لظاهرة التعفن وضع أنبوبين بداخلهما محلول السكر ، الأول مغلق والثاني معرض لهواء ،وبعد مدة لاحظ أن الأنبوب الثاني تعفن ،فاستنتج أن التعفن يعود إلى الهواء الخارجي.
-3قاعدة التغير النسبي: مثال الأطباء الانجليز في تفسيرهم لوباء الكوليرا ، فلاحظوا ظاهريتين تتغيران نسبيا .كلما اقتربنا من نهر التايمز زاد عدد المصابين بالكوليرا وكلما ابتعدنا عنه قل هذا العدد ، فاستنتجوا أن النهر هو سبب الوباء.
-4قاعدة البواقي: مثال لوفيري في تفسيره للانحراف في مدار كوكب أورانوس،حيث رد الجزء إلى الكل واستنتج ضرورة وجود كوكب مجهول يؤثر على كدار أورانوس ، وهذا الكوكب هو نبتون الذي اكتشفه غال Gallسنة 1846.
النقد: رغم أهمية هذا المنطق من الناحية العلمية والتقنية إلا انه يبقى عاجزا أمام الظواهر المعنوية التي لا تدرك بالحس. كمسالة حرية الإنسان ومشكلة العدالة الاجتماعية والأخلاق والسعادة والشجاعة وغيرها من القضايا الفلسفية التي تعتمد على التأمل العقلي وتقتضي عدم تناقض الفكر مع نفسه بالدرجة الأولى.
التركيب: لا يمكن فصل الاستقراء عن الاستنتاج من الناحية العلمية .فالعالم كما يؤكد برتراند راسل ينتقل من ملاحظات جزئية ليصل في النهاية إلى قواعد كلية. ثم ينتقل من هذه الأخيرة ليعمم حكمه على ظواهر جزئية جديدة تنتمي إلى نفس النوع فمبدأ التعميم المعروف في العلم يقوم على القياس ، وهذا يعني قواعد المنطق الصوري والمنطق المادي متكاملة، كما أن المواضيع العلمية تحتاج إلى منطق تجريبي والمواضيع الميتافيزيقية تحتاج إلى منطق صوري ينسجم مع طبيعتها فكلاهما ضروري للمعرفة الإنسانية.
حل الإشكالية:
أن منهجية التفكير حسب طبيعة الموضوع المدروس ، وعليه يكون التفكيري منطقيا إذا تطابق مع نفسه ومع الواقع.
قواعد للاستدلال التجريبي عند ون ستيوارت ميل
وقد وضع جون ستيوارت ميل أربعة قواعد للاستدلال التجريبي هي:
قاعدة الاتفاق أو التلازم في الوقوع: نقارن بين الحالات التي تقع فيهم الظاهرة و العامل المشترك هو سبب حدوثها –مثال ويلزWells في تفسيره لظاهرة الندى حيث استنتج مايلي-أن الجسم الطلب إذا كانت درجة حرارته اقل من الهواء الخارجي تشكل الندى على سطحه.
قاعدة الاختلاف أو التلازم في الغياب: نقارن بين حاليتين يكون العامل المختلف هو علة وقوع الظاهرة مثال لويس باستور في تفسيره لظاهرة التعفن وضع أنبوبين بداخلهما محلول السكر ، الأول مغلق والثاني معرض لهواء ،وبعد مدة لاحظ أن الأنبوب الثاني تعفن ،فاستنتج أن التعفن يعود إلى الهواء الخارجي.
قاعدة التغير النسبي: مثال الأطباء الانجليز في تفسيرهم لوباء الكوليرا ، فلاحظوا ظاهريتين تتغيران نسبيا .كلما اقتربنا من نهر التايمز زاد عدد المصابين بالكوليرا وكلما ابتعدنا عنه قل هذا العدد ، فاستنتجوا أن النهر هو سبب الوباء.
قاعدة البواقي: مثال لوفيري في تفسيره للانحراف في مدار كوكب أورانوس،حيث رد الجزء إلى الكل واستنتج ضرورة وجود كوكب مجهول يؤثر على كدار أورانوس ، وهذا الكوكب هو نبتون الذي اكتشفه غال Gallسنة 1846.
النقد: رغم أهمية هذا المنطق من الناحية العلمية والتقنية إلا انه يبقى عاجزا أمام الظواهر المعنوية التي لا تدرك بالحس. كمسالة حرية الإنسان ومشكلة العدالة الاجتماعية والأخلاق والسعادة والشجاعة وغيرها من القضايا الفلسفية التي تعتمد على التأمل العقلي وتقتضي عدم تناقض الفكر مع نفسه بالدرجة الأولى.
التركيب: لا يمكن فصل الاستقراء عن الاستنتاج من الناحية العلمية .فالعالم كما يؤكد برتراند راسل ينتقل من ملاحظات جزئية ليصل في النهاية إلى قواعد كلية. ثم ينتقل من هذه الأخيرة ليعمم حكمه على ظواهر جزئية جديدة تنتمي إلى نفس النوع فمبدأ التعميم المعروف في العلم يقوم على القياس ، وهذا يعني قواعد المنطق الصوري والمنطق المادي متكاملة، كما أن المواضيع العلمية تحتاج إلى منطق تجريبي والمواضيع الميتافيزيقية تحتاج إلى منطق صوري ينسجم مع طبيعتها فكلاهما ضروري للمعرفة الإنسانية.
حل الإشكالية:
أن منهجية التفكير حسب طبيعة الموضوع المدروس ، وعليه يكون التفكيري منطقيا إذا تطابق مع نفسه ومع الواقع.
التركيب والخاتمة
التركيب: لا يمكن فصل الاستقراء عن الاستنتاج من الناحية العلمية .فالعالم كما يؤكد برتراند راسل ينتقل من ملاحظات جزئية ليصل في النهاية إلى قواعد كلية. ثم ينتقل من هذه الأخيرة ليعمم حكمه على ظواهر جزئية جديدة تنتمي إلى نفس النوع فمبدأ التعميم المعروف في العلم يقوم على القياس ، وهذا يعني قواعد المنطق الصوري والمنطق المادي متكاملة، كما أن المواضيع العلمية تحتاج إلى منطق تجريبي والمواضيع الميتافيزيقية تحتاج إلى منطق صوري ينسجم مع طبيعتها فكلاهما ضروري للمعرفة الإنسانية.
حل الإشكالية:
أن منهجية التفكير حسب طبيعة الموضوع المدروس ، وعليه يكون التفكيري منطقيا إذا تطابق مع نفسه ومع الواقع.
هل الحقيقة مطلقة أم نسبية؟
مقدمة:
عادة ما ترتبط المعرفة بالإنسان ، لأنه هو الوحيد الذي يملك استعدادات فطرية تمكنه من تحليلها ، وأقصى ما يطمح إليه هو إدراك الحقيقة، والتي تعرف على أنها المعرفة الشاملة والكاملة بالواقع ، ولما كانت مرادفة لما هو ثابت ومستقر أصبحت تتصف بأنها مطلقة ، والسؤال الذي يطرح في هذا المقام هو: هل الإنسان قادر بالفعل على بلوغ الحقيقة المطلقة وهو الكائن النسبي؟ أليس هذا تناقضا؟ لقد تباينت مواقف الفلسفة ، فمنهم من اقر بوجود حقيقة مطلقة ما دامت الأشياء متضمنة لصفاتها في ذاتها والعقل هو المدرك لها ، وفي المقابل هناك من يؤكد عدم إمكانية بلوغها ، ويرى أن الحقيقة لا تتجاوز النسبية ولا وجود لشيء نهائي يجب الوقوف عنده ما دام العالم في تغير مستمر . فأي الموقفين يعبر عن الحقيقة؟
الموقف الأول ونقده:
الموقف الأول :
يرى فريق من الفلاسفة أن الحقيقة المطلقة ممكنة طالما هذا الإنسان يملك عقلا مفكرا. وهنا نجد أفلاطون قديما يميز بين عالميين ، عالم المحسوسات وعالم المثل، فالأول يمثل العالم المادي المحسوس المتغير، وموجداته هيا بمثابة ظلال وأشباح لعالم المثل ، وهذا الأخير يمتاز بأنه عالم معقول وثابت كامل، وفيه توجد النماذج العليا لكل مجوداته ، كما انه خاص بالموهوبين ولا تدركه الأبصار وفيه يعاين الفيلسوف سلسلة من المثل كالخير والجمال المطلقين والدائرة الكاملة ،لهذا كانت الحقيقة المطلقة مجسدة في الفكر الذي ينتقل بنا من الأدنى إلى الأعلى أو من الأعلى أو من المحسوس إلى المجرد ، وقد جاء أفلاطون بنظرية المثل لان المحسوسات تختلف من صفاتها ولذلك فليس هناك صفة ذاتية مشتركة ، فالهندسة مثلا ليست هي عالم مسح الأراضي ولكن هي النظر في الأشكال ذاتها ، وكذلك عالم الحساب ليس هو علم الجزيئات كما يفعل التاجر بل هو عالم الأعداد هادفا إلى الوصول إلى درجة العقلانية التامة وعليه أصبحت المثل عند أفلاطون تحدد المعيار الذي يجب أن يسير عليه الفرد، هي عامة ومشتركة لدى الجميع ، معقولة لا حسية ، تطبق في كل زمان ومكان لأنها لا تتأثر بالظروف والتجربة ن وهذا دليل على أن الحقيقة لا توجد في الواقع المحسوس والمتغير.
وفي السياق نفسه نجد أرسطو يؤكد على صفة المطلقية بالنسبة للحقيقة، إلا انه يختلف مع أستاذه أفلاطون في الاعتقاد بوجود حقيقة ثابتة لهذا العالم، فكل شيء فيه عبارة عن جوهر –ماهية* وصورة ، والجوهر هو الحقيقة الثابتة التي يجب على المفكر أن يصل إليها وان يدركها في شكلها المطلق ، لأنه حقيقة لا حقيقة فوقها، فلكي يوجد الشيء لابد له من جوهر كنقطة بداية، هذا الشيء الجزئي يخضع إلى معرفة استقرائية ، أي معرفة بالجزيئات ، والمعرفة الحسية لا تخطئ الحكم الصادق مادام البرهان العلمي يعتمد على الشيء الظاهر وكان هذا الأساس تساءل كيف تمت هندسة الكون الواسع بأشكال لا نهاية لها وهو لا يقبل أن تكون الحركة بلا بداية فلا بد أن يكون الحركة مصدر وهو الله المحرك الأكبر فهو لا يتحرك وهو كائن غير مرئي لا يتغير انه السبب النهائي للطبيعة والقوة الدافعة للأشياء وأهدافها ولهذا كانت الحقيقة عند "أرسطو" تكمن في المحرك الذي لا يتحرك ويقصد بالمحرك –الله- الذي يمثل جوهر الوجود.
هذا بالنسبة للفطنة الكلاسيكية لمشكلة الحقيقة أما إذا نظرنا إلى صفة المطلقية للحقيقة في الفلسفة الحديثة فإننا نجد "ديكارت" لا يعترف بالمعرفة الحسية وجعل من الشك الطريق الأساسي لبلوغ الحقيقة ووسيلة في ذلك هي العقل نفسه فالحقيقة عنده هي مالا ينتهي إليه الشك وعلى هذا الأساس لا يكون الحقيقي إلا ما هو واضح وبديهي ومتميز أو بتعبير أخر أن معايير الحقيقة تتخلص في البداهة والوضوح ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم الكوجيتو الديكارتي أنا أفكر إذن أنا موجود فخاصة التفكير هي حقيقة الوجود البشري حسب ديكارت فإذا توقف الإنسان عن التفكير توقف عن الوجود لهذا نجده يؤكد على الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقة وهو الوضوح الذي يرتفع فوق كل شيء ويتجل هذا في البديهيات الرياضية التي تبدو ضرورية و واضحة بذاتها كقولنا اكبر من الجزء وهو القائل أن الأشياء التي نتصورها تصورا بالغ الوضوح والتمييز هي صحيحة كلها.
أما بالنسبة "لسيتوزا" فهو يرى انه ليس هناك معيار الحسية خارج عن الحقيقة فهل يمكن أن يكون هناك شيئا كثر وضوحا و يقينا من الفكرة الصادقة يصلح ان يكون معيارا للحقيقة" فكما النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذب وفي السياق نفسه نجد المتصوفة يعتبرون الحقيقة المطلقة هي الحقيقة المصوفة باعتبارها شعور يستولى على المتصوف عند بلوغ الحقيقة الربانية المطلقة عن طريق الحدس ويصل المتصوف إلى هذه الحقيقة بعدة طرق فقد تكون من خلال الاتحاد بالله عن طريق الفناء كما يؤكد على ذلك "أبي يزيد البسطامي" أو عن طريق حلول الله في مخلوقاته فيما يذهب إليه"الحلاج" أما الطريق الثالث فيجسد التقاء وجود الخالق و وجود المخلوق إثباتا لوحدة الوجود كما يقول " ابن عربي " ولا يتم له ذلك إلا بمجاهدة النفس بدلا من البحث عن الحقيقة الإلهية-الربانية وهذا من خلال الكشف الذي يقابل البرهان العقلي عند الفلاسفة والمتكلمين. ويقول "أبو حامد الغزالي" (الكشف هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغبية والأمور الحقيقية وجودا وشهودا الأول طريقة الإلهام وهو العلم الذي يقع قي القلب بطريق الفيض من غير استدلال ولا نظر بل بنور يقذفه الله في الصدر أما الأمور الحقيقية فطريقها الحدس حيث يمكن للشخص المؤيد النفس بشدة الصفاء وشدة الاتصال بالمبادئ الحلقية إلى أن تحصل له المعارف حدسا وبهذا أصبح المتصوف يصل إلى مرتبة الاتحاد بالله حيث يكون الله والمخلوقات حقيقة واحدة هي عله لنفسها ومعلولة لنفسها أما السعادة عند الفلاسفة فتتحقق بمجرد اتصال الحكم بالله دون اندماجه في الذات الإلهية.
وفي السياق نفسه وبعيدا عن النظرة الصوفية نجد ابن رشد فيلسوف قرطبة يرى أن الحقيقة الدينية واحدة ولكن طرق تبليغها متعددة بتعدد طبائع الناس ومستويات إدراكهم العقلي. وفي هذا الإطار يتحدث ابن رشد عن ثلاثة شرائح من الناس هم: أهل البرهان، وأهل الجدل ، وأهل الخطابة، وإذا كان مصدر الحقيقة الدينية هو الوحي فهي حقيقة واحدة و مطلقة ولا يمكن الشك فيها من قبل الإنسان المؤمن،والشيء نفسه فيما يخص الحقيقة الفلسفية التي تتأسس على البرهان العقلي الذي إذا التزمنا بقواعده فإننا حتما نصل إلى نتائج.
انطلاقا من هذا رأى ابن رشد أن الحقيقة الفلسفية لا تتعارض مع الحقيقة الدينية لان كليهما مطلقتان ومتوفقتان ،لان الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له.
النقد1:
من هذا أصبحت الحقيقة حسب ما أكد عليه العقليون وحب النظرة الصوفية تتصف بالمطلقة .لكن بالنظر على هذا التصور من زاوية تطور التفكير وخاصة التفكير العلمي، فإننا نجد أن النسبية خاصة أساسية من خصائصه ومن الأزمات التي عاشتها المعارف المتوصل إليها من طرف العلماء قديما وحديثا وتغيرها إلا دليل على ذلك ، ومن جهة أخرى بماذا نفسر تحول النظام الثابت الذي تخضع له الظاهر الطبيعية ، حيث أصبح في العصر الحديث والمقام ينطبق على بعض الظواهر فقط لهذا فان الحقيقة نسبية وليست بإمكان الإنسان أن يعتنق المطلق باستعدادات محدودة ، ولذلك فان الإيمان بوجود حقيقة مطلقة يجعلنا نلجأ إلى معيار ذاتي باعتبارها مرتبطة بالإدراك العقلي ، وهذا الأخير لا يخلو من الاعتبارات الشخصية ، حيث تتدخل الميول والرغبات والآراء الشخصية لكي تجعل الفكرة صادقة ، بدليل أن قضية حركة دوران الأرض حول الشمس التي هي قضية واضحة بالنسبة ألينا اليوم ، في حين أن ثباتها كانت فكرة صحيحة لذا خصوم "غليلي" ، ولكنها فكرة خاطئة ، لهذا فالشعور بالبداهة والوضوح والإدراك العقلي لمختلف الموضوعات لا يمكن أن يكون برهانا مطلقا على وجود حقيقة مطلقة.
الموقف2 ونقده:
الموقف2:
وقد كان لانتشار مختلف النظريات العلمية والفلسفية في مختلف المجالات المعرفية تأثيرا في جعل الحقائق العلمية تقريبية خاصة مع ظهور النسبية العددية للفيزيائي "اينشتاين" ومن ثمة تبدد الرأي الذي أكد على وجود حقيقة مطلقة ،فاتحا المجال لظهور رأي مخالف يحكم على الحقيقة بالنسبية وبذلك نجاوز اليقين و المطلقية . ومن دعاة هذا الاتجاه نجد أنصار العلوم التجريبية .المعرفة العلمية الدين يؤكدون على نسبية الحقيقة فلا وجود لشيء ثابت حسب نظرية الفيزيائي "هايزلبيرغ "في علاقات الارتياب التي تؤكد استحالة تحديد موقع الإلكترون وسرعته في أن واحد ، والتي طرحت مشكلة الحتمية في العلم ، وبما أن التوقع أصبح مستحيلا في الفيزياء الدرية فالتصور الكلاسيكي للحتمية ينهار تماما ليحل محله الاحتمال.
والصورة نفسها التي ميزت مجال الفيزياء تنطبق على الرياضيات باعتبار أنها كانت تجسد مثالا لليقين والدقة و المطلقية ،حيث نجد هذا اليقين في عصرنا أصبح نسبي.
ومع ظهور الهندسة اللااقليدية مع لوباتشوفسكي1793-1856 وريحان الألماني 1826-1866 فكانت المسلمة التي وضعها إقليدس والتي أثارت الكثير من الشكوك تلك المعروفة بمسلمة التوازي وتصاغ عادة كما يلي : من نقطة خارج مستقيم يمكن رسم مستقيم واحد فقط موازي للأول ،وعلى أساس هذه المسلمة يبرهن إقليدس على عدة قضايا في مجال هندسة ومنها على الخصوص القضية القائلة: أن مجموع زوايا المثلث تساوي180 درجة، فكانت محاولة لوباتشوفسكي –الجريئة قائمة أساسا على البرهان بالخلق حيث حدد مسلمات إقليدس التي تجسد عكس القضية لإثبات نقيض القضية فتوصل الى انه من نظريات هندسية من دون ان يقع في التناقض ،و نفس الشيء مع ريمان الذي افترض انه من نقطة خارج مستقيم لا يمر أي موازي له، وهذا ما يؤكد ان الحقيقة في الرياضيات المجردة لم تبق علم دقيقة ومطلق وإنما أصبح يتميز بالنسبية.
في بداية القرن 20م استغل أصحاب النظرة البرغماتية فكرة النسبية العلمية لبناء مذهبهم متخذين المنفعة مقياسا للحقيقة،وأصبحت حقيقة الشيء تكمن في كل ما هو نفعي عملي ومفيد في تغيير الواقع والفكر معا في هذا يقول وليام جيكس:"يقوم الصدق لكل بساطة فما هو مفيد لفكرنا وصائب فيما هو مفيد لسلوكنا"هكذا فان الذاتية متناقضة فإذا كنت تعتقد أن أراء غيرك صادقة نسبيا فكانت ترى رأيك صادقا صدقا مطلقا مثلما اعتقدت أن الأرض كروية واعتقد غيرك أنها مسطحة يقول جيمس :"إن الناس يعتقدون في القرون الماضية أن الأرض مسطحة ونحن معتقد اليوم أنها مستديرة ، إذن الحقيقة تغيرت وأنت ربما تقتنع بهذا القول ولا يقتنع غيرك" وبهذا فالحقيقة عندك جيمس ليست غاية في ذاتها وإنما هي مجرد وسيلة لاشياع حاجيات حيوية أخرى، كما أن استمرار تاريخ الفكر البشري يؤكد على أن الحقيقة لم تستطع أن تتواجد في معزل عن الحقيقة ونقصد بذلك نقائض الحقيقة وأضدادها ، فلكي يكون العلك مطلقا -نهائيا- لا بد أن يكون تاما إلا أن هذا لن يتحقق .يقول برنارد "يجب أن يكون حقيه كقنعة بأننا نملك العلاقات الضرورية الموجودة بين الأشياء إلا بوجه تقريبي كثيرا أو قليلا ، وان النظريات التي نمتلكها هي ابعد أن تكون حقيقة مطلقة"أنها تمثل حقائق جزئية مؤقتة وهذا يخالف الموقف الفلسفي المثالي الذي يعتقد الوصول إلى الحقيقة المطلقة، وفي هذا الصدد يقول بيرس: أن تصوراتنا لموضوع ما هو تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع أثار علمية لا أكثر ومعنى هذا القول : إن المعارف الصحيحة إنما تقاس بالنتائج المترتبة عنها على ارض الواقع.
وفي الفلسفة الوجودية نجد الفرنسي جون بول سارتر الذي يرى أن مجال الحقيقة الأول هو الإنسان المشخص ف وجوده الحسي وليس الوجود المجرد كما في الفلسفات القديمة ، وحقيقة الإنسان تكمن في انجاز ماهيته لأنه في بداية أمره لا يملك ماهية فهو محكوم عليه بان يختار مصيره ، وقد عبر سارتر عن فكرته هذه بقوله : سأكون عندما لا أكون أي سأكون ما سأكون قد أنجزته إلى حلول الحلول" ويقول أيضا : فانا افرغ ذاتي وكياني بأكملها في العمل وأنا ما افعله".
إذن الحقيقة حقائق وان المطلقية منها مقيدة بالمذهب والتصورات.
نقد2:
لكن بالنظر إلى موضوع الأحكام والقوانين العلمية نجده شيئا واحدا، وما تغير سوى أراء ،لهذا لا يصح القول بنسيبتها مثلما يعتقد هؤلاء ، بل الحقيقة مطلقة لان الأرض مثلا لا يمكن أن تكون مسطحة وكروية في أن واحد من حيث الشكل ولا وقعنا في التناقض، كما أن المعارف السابقة ليست كلها خاطئة وتاريخ العلم يؤكد على أن العلماء توصلوا إلى معارف جديدة انطلاقا مما هو سائد سابقا لان العلم ما هو إلا حلقات متصلة والعالم لا يمكنه أن ينطلق العدم لذا فالحقيقة صادقة في ذاتها متغيرة بالنسبة إلينا.
ومن جهة لا يمكن أن ننكر دور المنفعة في حياتنا العلمية، ولكن ذلك لا يؤهلها أن تكون مقياسا للحقيقة ،لان الحقيقة يجب أن تتميز بالشمولية والموضوعية ، ومنه فالفكر في البرغماتية تكون صحيحة لو انتصرت على الجانب العلمي التجريبي، فالحقيقة أسمى من أن تقتصر في المنفعة فالمنفعة قد تكون مقياسا لما هو مادي، ولكن لا يمكن أن تكون مقياسا عاما توزن به كل أفكارنا وقيمنا ، وانه مطلق يحط من قيمة الإنسان ، لان المنفعة كهدف ننجر عنها تجاوزات لا أخلاقية خطيرة .
أما الفلسفة الوجودية فقد حصرت الحقيقة في الإنسان وتجاهلت المواضيع الخارجية التي تكون مصدرا هاما لها، فالإنسان قد يعني نفسه ويدرك حقيقتها ، والوقت نفسه فهو يتوق إلى إدراك العالم الخارجي الذي ينطوي على الكثير من الظواهر والأشياء التي تستحق البحث والتنقيب ، ومن جهة أخرى فان الوجودية تضرب القيم الأخلاقية عرض الحائط ، لأنها تقف في وجه الإنسان وتحول دون تحقيق ذاته –ماهيته- وهدا أمر غير مسلم به على الإطلاق
التركيب والخاتمة
التركيب:
ومن خلال ما تم ذكره نجد هناك من يعتبر الحقيقة مطلقة والبعض عكس ذلك ، لكن الواقع يبين أن الحقيقة العلمية في إطارها الخاص تصدق على كل الظواهر وتفرض نفسها على كل عقل وبهذا المعنى تكون مطلقة فحين نقول أن الماء يتكون من درتين من الهيدروجين ودرة من الأكسجين لا نعني بذلك كمية الماء التي أجريت عليها الاختبار بل نعني أية كمية من الماء على الإطلاق لا توجد هذه الحقيقة في عقل الإنسان الذي أجريت أمامه الاختبار بل في كل عقل بوجه عام،ولكننا قد نكتشف في يوم ما أملاحا في الماء بنسب ضئيلة فيصبح الحكم السابق نسبيا يصدق في إطاره الخاص، وهذا الإطار قد يكون هو المجال الذي تصدق فيه الحقيقة العلمية كما هو الحال بالنسبة لأوزان الأجسام التي يظل مقدارها صحيح في إطار الجاذبية ولكنها تختلف إذا نقلت إلى المجال الفضاء الخارجي لهذا فان الحقيقة المطلقة كثيرا ما يعبر عنها بالنسبية
الرأي الشخصي:
لكن الرأي الصحيح هو الذي يرى أن المعرفة الإنسانية نسبية بين الذات والموضوع المعروف وهي نسبية تجعل كلا منهما مشروطا بالأخر ، وهذا معناه أن العقل أن هو حاول إدراك المطلق فانه لا يصنع ذلك إلا بالنسبة للمقيد ، كما انه لا يتصور الثبات إلا في حالة وجود التغير ، وهذا يعني احتمال احد الأمرين:
إما أن تكون الحقيقة مطلقة ولا أمل في إدراكها من طرف مدرك ، وأما ا يدركها مدرك فتنتقل من المطلقية إلى النسبية ، يقول ج-س :" لا نعرف الشيء إلا من خلال جهة ما هو متميز عن غيره من الأشياء و أننا لا نعرف الطبيعة إلا بواسطة أحوالنا الشعورية ، ثم إن كل معرفة تابعة للظواهر وليست هناك معرفة في ذاتها أي مستقلة عم الموضوع المعروف"
الخاتمة:
وعليه فإننا نصل إلى أن الحقيقة متغيرة حقا نتيجة تعدد مجالات البحث ، لكن تغيرها يأخذ مصطلح التراكمية أي إضافة الجديد للقديم ، ومن ثمة فان نطاق المعرفة التي تنبعث من العلم يتسع باستمرار ومن هنا يكون انتقال العلم إلى مواقع جديدة على الدوام علامة من علامات النقص فيه، بل أن النقص يكمن في تلك النظرة القاصرة التي تتصور أن العلم الثابت والمكتمل ، وفي هذا تأكيد على أن الحقائق كلها نسبية وهي متعددة تابعة لمؤثرات بشرية وفكرية ورغم ذلك فان الإنسان يطمح إلى بلوغ الحقيقة الأولى مهما كان مفهوم الثبات