ملخص الدرس / الثآنية ثانوي/اللغة العربية/أدب العصر العباسي/التّقليد و التّجديد  في النتاج الشعري العباسي

النّصّ التّواصليّ: من مظاهر التجديد والتقليد في الشعر

التعريف بالكاتب:

شوقي ضيف ناقد مصري ولد بدمياط سنة 1910م تلقى علومه الأولى بالأزهر حائز على دكتوراه في الآداب يعمل أستاذا بكلية الآداب بالقاهرة ومستشارا لدار المعارف وعضوا بالمجمع اللغوي والمجلس الأعلى للشورى الإسلامية . تربى في أحضان أسرة متدينة فأبوه كان معلما للقران . من مؤلفاته : الفن ومذاهبه في النثر العربي .- في تاريخ الأدب العربي من العصر الجاهلي إلى العصر العباسي . – البلاغة تطور وتاريخ - المدارس النحوية .- معي – الفكاهة في مصر .

 النص:

ما هو أثر الحياة الجديدة و العصر الجديد في أغراض الشعر؟ و في جواب هذا السؤال نقول: لقد اعرف الشعر العربي في عصوره الأولى أغراض محدودة هي الفخر و الهجاء والمدح والرثاء و الوصف و الغزل ثم النقائض التي هي مزيج من الغرضين الأولين، و كان لهذه الأغراض طريقة تقليدية تؤدي بها، أقل ما يقال فيها: إنها تعتمد على الراحة و البساطة و الجد، جد البادية الذي لا يعرف الهزل ولا يجيده إذا تورط فيه.

لكن الظروف الجديدة قد غيرت من آفاق الشعراء و تفكيرهم ، و فتحت عيونهم على حياة جديدة كل الجدة، و فيها كل ما يمكن أن يتصوره المرء من مجتمع واسع الأرجاء متعدد الطبقات مختلف النزعات و الأهواء تلتقي فيه الفلسفة الإغريقية بحكمة الهنود و حضارة الفرس و زندقته بتقشف الإسلام و ورعه. و قد أدى كل ذلك إلى تحول الأغراض القديمة عن طابعها الموروث تحولا يقوى حينا ويضعف حينا آخر، كما أدى إلى ذهور أغراض جديدة لم تكن تصلح لها ولا تعين عليها.

و من الفنون القديمة التي تطورت، الوصف. فقد وجد هذا الغرض منذ العصر الجاهلي و كان وصف مظاهر الطبيعة البدوية و الحضرية في ثنايا القصائد و لكنه تطور في العصر العباسي فأصبح غرضا قائما بذاته و افتحت به القصائد و ائسعت ليصؤر جوانب الحياة و مظاهر الحضارة الطبيعية و الصناعية من القصور الجميلة و البساتين الخضراء و البرك الأنيقة و النافورات و الآثار و الشفن و المعارك.

كذلك تطور غرض الفخر و الحماسة في هذا العصر ففيه افتخر الشعراء بالأمجاد العربية و الانتصارات الرائعة و الفتوحات الضخمة، كما افتخر بعض الشعراء من أبناء الأمم التي اندمجت في الإسلام في العصر العباسي بأمجاد أممهم.

و كان للنهضة العلمية و الترجمة في هذا العصر أثرها الواضح في اتجاهات معاني الشعراء وأفكارهم إلى العمق و التحليل و الغزارة و الاستقصاء ثم الترتيب المنطقي لأفكار القصيدة ومعانيها بطريقة لم تكن معروفة قبل ذلك. كما ابتكرت معان من وحي الحياة الحضرية التي عاشها الشعراء في العصر العباسي و قد اسم خيال الشعراء بالخصب و الروعة وجمال التشبيهات و الاستعارات، كما أخذ بعضهم عن الفرس مبالغتهم في الخيال و ابتکار الصور المؤثرة في النفس.

أما من حيث الألفاظ فقد هجر الشعراء الألفاظ الغريبة الصعبة و استخدموا الشيلة العذبة و التراكيب الأنيقة، و أدخلوا بعض الألفاظ الأعجمية و اهتموا بالصنعة و التأنق في المحسنات البديعية و غالى بعضهم في ذلك كأبي تمام.

وجد بعض الشعراء في بناء القصيدة فلم يسر على النهج التقليدي فهذا أبو نواس نادي بعدم افتتاح القصيدة بالغزل أو الوقوف على الأطلال وإنما بوصف الخمر.

وافتتح غیره قصائدهم بالحكمة أو بالوصف أو بالغرض الأساسي للقصيدة مما حقق الوحدة  الموضوعية.

و من حيث الوزن مسار الشعراء على النظام القديم للقصيدة العربية من التزام الوزن الواحد والقافية الموحدة، لكن غلب عليهم استعمال البحور القصيرة الموسيقية الإيقاع التي تتناسب مع ما شاع في ذلك العصر من ترف ولهو و غناء و لو أن بعضهم بدأ يعدل عن القافية الموحدة.

ظل العباسيون ينظمون في الموضوعات القديمة من المديح و غيرها مما كان ينظم فيه الجاهليون والإسلاميون و بذلك أبقوا للشعر العربي على شخصيته الموروثة و قد مضوا يدعمونها دعما بما لاءم بينها و بين حياتهم العقلية الخصبة و أذواقهم المتحضرة المرهفة. فإذا هي تتجدد من جميع أطرافها تجددا يقوم على التواصل الوثيق.

العصر العباسي الأول - بتصرف -

اكتشاف معطيات النص :

الأغراض الشعرية القديمة هي: الفخر والهجاء والمدح والرثاء والوصف والغزل والنقائض والحماسة .

يرجع الكاتب سبب تغير فكر الشعراء إلى : لامتزاج الثقافات من حكمة الهنود إلى فلسفة الإغريق إلى زندقة الفرس ...

مظاهر تأثير النهضة العلمية على الشعر العربي في هذا العهد هي: 

حسن الاعتناء بالأفكار من تنظيم وترتيب منطقي ...

سعة الخيال واستخدام الألفاظ العذبة والأنيقة دخول كلمات أعجمية وترك بعض الشعراء للمقدمات الطللية والغزلية وظهور الحكمة استعمال البحور القصيرة المناسبة للغناء وحاول بعضهم عدم الالتزام بالقافية الموحدة .

تحديد الفكرة العامة : تطور في الأسلوب والمواضيع مع محافظة الشعر العربي على خصوصيته .

مناقشة المعطيات :

لم يحفل النص بالصور البيانية والمحسنات البديعية لأن الكاتب بصدد الإجابة على سؤال عقلي منطقي وهو: ما هو اثر الحياة الجديدة والعصر الجديد في أغراض الشعر ؟

وهو موضوع نقدي يتطلب الموضوعية والبعد عن الخيال والتكلف .ماعدا بعض الطباقات العفوية التي جاءت لتوضيح وتقوية المعنى . منها قوله : الجد والهزل .يقوى ويضعف . قديمة جديدة .

أما الخيال فقد وظفه لتوضيح أفكاره وإقناع القارئ 

ابقوا للشعر العربي على شخصيته الموروثة هي استعارة مكنية حيث استعار صفة الشخصية من الإنسان وجعلها للشعر وهو شيء معنوي .

حياتهم العقلية الخصبة هي استعارة مكنية أيضا .

عاطفة الكاتب غير بارزة لأنه يتناول موضوعا نقديا لا علاقة له بمشاعره وأحاسيسه .

هل استطاع الكاتب ترتيب أفكاره ؟
نعم قدم لنا الدكتور شوقي ضيف أفكاره مرتبة بإحكام شديد فجاءت متلاحمة حيث استهلها بسؤال . ثم بدا إجابته بشكل مرتب ذاكرا الأغراض القديمة ثم تغير الحياة في العصر العباسي الذي اثر على حياة الشاعر العربي فتغيرت وتجددت بعض الأغراض كالوصف والفخر والحماسة كما جدد في أساليب التعبير مع المحافظة على الطابع العام للشعر العربي الوجداني .

استخلص وأسجل :

نمط النص وصفي لان الكاتب بصدد وصف أهم التغيرات التي طرأت على الشعر العربي في عهد بني العباس .

ظل العباسيون ينظمون في الموضوعات القديمة من المديح وغيرها مما كان ينظم فيه الجاهليون والإسلاميون وبذلك ابقوا للشعر العربي على شخصيته الموروثة .
قال ابن هانئ في وصف أسطول المعز :
قباب كما تزجى القباب على المها لـــكن من ضمت عليه اســـود
عليها غــمام مكفهر صــبيره لــه بارقات جمـــــة ورعـود

قال البحتري في وصف الآثار *إيوان كسرى *
فكان الجرماز من عدم الأنــــــــس واخلاقه بنيـــــــة رمـــس
لو تراه علـــمت أن اللـــــيالي جعلـــت فيه مأتــــما بعد عــرس

وصف معركة حماسية لأبي تمام :
غادرت فيها بهيم الليل وهـــو ضحى يشله وســــطها صــبح من اللهب
حتى كان جلابيب الدجى رغبت عن لونها أو كـــــان الشــمس لم تغـــب

امرؤ القيس في وصف الفرس :
وقد أغتدي والطير في وكناتـــها بمنــــجرد قــــيد الأوابد هيكل

البحتري في وصف الذئب :
ســما لي وبي من شـدة الجوع ما به ببـــيداء لم تعرف بها عيــشة رغــد
كــلانا بها ذئـــب يــحدث نفــسه بصـــاحبه والجد يتــــعسه الـــجد

قال أبو نواس بعد توبته في غرض الزهد :
ذهــبت جدتــي بحاجـــة نفسي وتذكــرت طاعـــــة الله نضــــــوا
قد أسانا كــــل الإســـاءة فاللهم صــــفحا عـــنا وغـــفرا وعـــفوا

النّصّ الأدبيّ: بركة المتوكّل - البحتريّ

أتعرف على صاحب النص :
البحتري هو أبو عبادة الوليد بن عبد الله الطائي ولد في منبج بسوريا سنة 820م نشأ في البادية فغلبت عليه فصاحة العرب،سافر الى بغداد فلقي أبا تمام،ولزمه حتى تخرج على يديه،واقتبس طريقته في البديع فأبدع البحتري في قول الشعر حتى فاق أستاذه وتوفي سنة 897م ،وقد ترك لنا ديوانا ضخما وكتاب الحماسة الذي يضم بين دفتيه مختارات من شعر نحو ستمائة شاعر أكثرهم من الجاهليين والمخضرمين.

النص:

يا مَنْ رَأى البِرْكَةَ الحَسْنَاءَ رُؤيَتُها،  والآنِسَاتِ، إذا لاحَتْ مَغَانِيها

يَا دِمْنَةً جاذَبَتْهَا الرّيحُ بَهجَتَها،     تَبِيتُ تَنْشُرُهَا طَوْراً وَتَطْويها

بحَسْبِهَا أنّها، في فَضْلِ رُتْبَتِها،          تُعَدُّ وَاحِدَةً والبَحْرُ ثَانِيها

ما بَالُ دِجْلَةَ كالغَيْرَى تُنَافِسُها        في الحُسْنِ طَوْراً وأطْوَاراً تُباهِيهَا

تَنْحَطُّ فيها وُفُودُ المَاءِ مُعْجِلَةً،     كالخَيلِ خَارِجَةً من حَبْلِ مُجرِيهَا

كأنّما الفِضّةُ البَيضاءُ، سَائِلَةً،       مِنَ السّبائِكِ تَجْرِي في مَجَارِيها

فَرَوْنَقُ الشّمسِ أحْياناً يُضَاحِكُها،       وَرَيّقُ الغَيْثِ أحْيَاناً يُبَاكِيهَا

إذا النُّجُومُ تَرَاءَتْ في جَوَانِبِهَا        لَيْلاً حَسِبْتَ سَمَاءً رُكّبتْ فيهَا

لا يَبلُغُ السّمَكُ المَحصُورُ غَايَتَهَا       لِبُعْدِ ما بَيْنَ قاصِيهَا وَدَانِيهَا

لَهُنّ صَحْنٌ رَحِيبٌ في أسَافِلِهَا،            إذا انحَطَطْنَ، وَبَهْوٌ في أعَاليهَا

صُورٌ إلى صُورَةِ الدُّلْفِينِ،               يُؤنِسُهامِنْهُ انْزِوَاءٌ بِعَيْنَيْهِ يُوَازِيهَا

تَغنَى بَسَاتِينُهَا القُصْوَى بِرُؤيَتِهَا           عَنِ السّحَائِبِ، مُنْحَلاًّ عَزَاليهَا

البحتري

أثري رصيدي اللغوي:

الدمنة:بقية الماء في الحوض

تنصب: بمعنى تتدفق

قاصيها : بعيد                                                   

دانيها : بمعنى قريب

الصحن: للدار وسطها المراد هنا قاع البركة

 

أكتشف معطيات النص:

وصف الشاعر في قصيدته بركة المتوكل فنادى القارئ في قوله "يامن رأى "الى التأمل والاستمتاع بجمال البركة التي تشبه الحسناء الجميلة .

من أوصاف البركة ماؤها الصافي كالفضة،عمقها،تزين الدلفين لها...

 

أناقش معطيان النص:

نص البحتري وثيق الصلة بالبيئة،وهو يعكس مظاهرالحياة الاجتماعية والثقافية والحضارية ،ويكشف عم كان يعش فيه الخلفاء العباسيون من مظاهر الترف والبذخ ويكشف المستوى الفني الذي وصل اليه فن العمارة في العصر العباسي.

وقد شبه الشاعر البركة بالفتاة الحسناء وأحتلت في نظره المرتبة الاولى من حيث الجمال والغزارة في مياهها قبل البحر ونهر الدجلة.

 

أحدد بناء النص:

نمط النص هو نمط وصفي حيث وصف الشاعر البركة وجمالها.

الاسلوب الغالب على النص هو الاسلوب الخبري مع ورود بعض الاساليب الانشائية كالاستفهام الانكاري في البيت الرابع والنداء في البيت الاول.

وقد أكثر الشاعر من استعمال الجمل الاسمية "الفضة البيضاء ""هن صحن"

 

أتفحص الاتساق والانسجام في تركيب قفرات النص

في النص مجموعة من الروابط اللفظية كالضمير المتصل وحروف الجر (اللام،في)وحرف العطف(الواو)،واداة الشرط(اذا)والتي ربطت بين معاني الابيات فأحدثت انسجاما وتوافقا بينها. والرابط المعنوي هو اتسام القصدة بالوحدة الموضوعية حيث وصف الشاعر البركة من بداية النص الى نهايته .

لو دققنا النظر في الصور والاخيلة التي أتى بها الشاعر لا وجدنا أن خيال البحتري مصنوع يقوم على الاشكال الحسية معتمدا في ذلك على التشبيه والاستعارة والبديع  وذلك قوله "ما بال الدجلة كالغيرة "شبه الدجلة بالمرأة التي تغار ،وفود الماء معجلة كالخيل ،فتلك صور حسية اعتمد فيها الشاعر على اللون والصوت والحركة وهي بذلك تجعل القارئ يضطرب بين الوهم والحقيقة.

لقد تأثر الشاعر باستاذه "أبو تمام "من حيث الاكثار من المحسنات البديعية اذ غلب على القصيدة الطباق في قوله:
دانيها/قاصيها       تنشرها /تطويها        أعاليها/أسافلها

 

أجمل القول:

موضوع القصيدة هو وصف البركة .

كما تعكس هذه القصيدة اتجاه الشاعر نحو التقليد والتجديد اذ استعان ببعض مظاهر الحضارة العباسية لكنه حافظ على البداوة واتبع طريقة البناء عند ابي تمام "الصنعة اللفظية".