ملخص الدرس / الثالثة متوسط/تاريخ و جغرافيا/التاريخ الوطني /التنظيم السياسي للدولة الجزائرية الحديثة
توطئه
استكملت الجزائر في القرن السابع عشر بنائها المؤسساتي كدوله كاملت السياده وتحققت لها وحدتها الإقليميه والسياسيه . وشكل سكانها نسيجا اجتماعيا متميزا يستظل تحت سلطه واحده , مما ساعدها على القيام بدور حضاري إنعكاسي إيجابا على منطقه المغرب العربي خصوصا والعالم الاسلامي عموما , وذلك بفضل قوه أسطولها البحري
وقد أدى ذلك بالدول الأوروبيه إلى الإسراع في إقامه علاقات دبلوماسيه وتجاريه مع الجزائر ودفع هدايا معتبره مقابل حمايه مصالحها وسفنها التجاريه من القرصنه التي استفحل نشاطها في البحر المتوسط
لكن هذا التفوق العسكري جعل الجزائر مستهدفه من طرف الدول الأوروبيه التي عملت دون هواده من أجل تكسير شوكتها وتقليص دورها ومكانتها الدوليه
مراحل تطور الدوله
استكملت الجزائر في العصر الحديث بناءها كشعب ودوله تحققت لها وحدتها الإقليميه والسياسيه وتم اندماج عناصر السكان ضمن نسيج اجتماعي تحت سلطه واحده مما ساعد الجزائر على لعب دور هام في العلاقات الدوليه وإقليم حوض البحر المتوسط وقد مرت الدوله طيله هذه الفتره بأربعه عهود تمثلت فيما يلي
عهد البايلربايات 1519 -1587م
بدأ هذا العهد باعتراف السلطان العثماني سليم الأول لخير الدين بربروس حاكما على الجزائر وتكليفه بمسؤوليه توحيد تونس وليبيا , وأطلق عليه لقب "بايلر باي " تميزت هذه الفتره ببدايه بناء الاسطول وتأسست فيها الوحده الإقليميه للجزائر .
أما على مستوى الخارجي الدولي فقد اشتدت الحملات الإسبانيه على الموانئ الجزائريه , حيث شنت إسبانيا حمله ضخمه على مدينه الجزائر في أوت 1519 م وحمله شارلكان الشهيره سنه 1541 م باءت كلها بالفشل كما شهدت بدايه تسرب النفوذ الفرنسي للجزائر كنتيجه لتحسن العلاقات بين فرنسا و الدوله العثمانيه حيث توسطت هذه الاخيره لدى الحكومه الجزائريه بغيه السماح للفرنسيين بإنشاء مراكز تجارسه لهم في القاله وعنابه والقل لصيد المرجان . من جهه أخرى شارك الأسطول الجزائري الناشئ في الحرب الفرنسيه ضد إسبانيا
عهد الباشاوات 1587 -1659 م
حدد السلطان العثماني مده حكم الباشا في الجزائر بثلاث سنوات . وكان أولهم الباشا دالي أحمد (995-997 ه /1586 -1588 م) وقد عرفت علاقات الجزائريه مع فرنسا تدهورا بسبب تأييدها لإسبانيا في عدوانها على الجزائر
عهد الآغاوات 1659--1671 م
الآغاوات هم ضباط البريه , كان الآغا يعين من طرف ويزكيه الشلطان العثماني , شهدت هذه الفتره حمله فرنسيه ضخمه على القل سنه 1663 ,وحمله أخرى على جيجل سنه 1664 م إنتهت بسحقها من طرف سكان المدينه
عهد الدايات 1671 -1830
يعتبر أهم مرحله من مراحل الدوله الجزائريه لما تميزت به من إستقلال فعلي في تسيير شؤونها الداخليه والخارجيه , وتمكنت الجزائر أثناءها من تحرير وهران من الاحتلال الاسباني سنه 1792 م بعد نزاع دام ثلاثه قرون
التنظيم السياسي والإداري للدوله الجزائريه
التنظيم السياسي
يمثل التنظيم السياسي أهم مظاهر سياده الدوله واستقلالها ,وقد تجسد في المؤسسات الآتيه
1- الداي هو أعلى سلطه في الدوله يتم انتخابه من طرف الديوان
2- المجلس الخاص يماثل الحكومه في وقتنا الحاضر ويتكون من
- وكيل الحرج يختص بالشؤون البحريه ويشرف على الأسطول البحري وطواقمه , وهو بمثابه وزير البحريه
- خوجه الخيل يتصرف في أملاك الدوله ويتوسط بين القبائل والدوله , ويشبه وزير الداخليه
الخزناجي يتكلف بأموال الخزينه العامه , فهو بمثابه وزير الماليه
الآغا قائد الجيش
البيتمالجي يسهر على تسجيل العقود و المواريث
3- مجلس الديوان من أهم أعضائه
- كبار الضباط وكبار الموضفين
- الدفتردار يتولى رئاسه ديوان الانشاء وكتابه الدوله
-الكاهيه يتولى حفظ أمن مدينه الجزائر , بمثابه القائد الأعلى للشرطه المدنيه
القاضيان الحنفي والمالكي ومن أعضاء هذا الديوان ينتخب أغلب الضباط وكبار المسؤولين ورؤساء المقاطعات (البايات)
التقسيم الاداري
من أجل تسهيل إداره البلاد وضبط أمورها على الوجه الاكمل قسمت الجزائر أربع مقاطعات (بايليكات) يحكمها بايات وهي
1- إقليم مدينه الجزائر سمي بدار السلطان أي الذي يخضع لسلطه الداي مباشره , امتد من وادي سباو شرقا إلى تنس غربا والتيطري جنوبا , وقد اتخذ الدايات من قصر الجنينه في البدايه مقرا للحكومه ثم انتقلوا إلى حي الباب الجديد في أعالي القصبه (الجزائر)
2 بايلك التيطري يديره نائب عن الداي في المقاطعه ب "الباي "يساعده عدد من الموظفين ,وكانت توضع تحت تصرفه حاشيه عسكريه من الجيش البري للحفاظ على الأمن , ومركز القياده مدينه " المديه" و الاقليم يقع الى الجنوب من دار السلطان
3- بايلك الغرب يديره باي يمتد من غرب التيطري الى حدود المغرب الاقصى مركزه مدينه مازونه ثم أصبح في مدينه معسكر وأخيرا استقر في وهران بعد تحريرها من الإسبان
4- بايلك الشرق مركزه مدينه قسنطينه ويمتد إلى حدود تونس يديره باي يساعده في مهامه موظفون وقد قسمت البايليكات بدورها إلى مقاطعات إداريه صغيره يقودها شيوخ القبائل يمثلون الواسطه بين الباي والسكان كما يمثل البايات واسطه بينهم وبين الداي
مظاهر السياده
علاقات الجزائر الدوليه
جسدت علاقات الجزائر الخارجيه تجسيدا قويا لسيادتها الكامله , حيث قامت بإبرام معاهدات السلم وتجاره مع دول العالم المختلفه , لاسيما الدول الأوروبيه والولايات المتحده , كما توجت هذه المعاهدات بإقامه علاقات دبلوماسيه مع هذه الدول , استقبلت بموجبها قناصل يسهرون على رعايه مصالح دولهم في الجزائر
العلاقات الجزائريه العثمانيه
تميزت العلاقات بين الطرفين في كونهما إسلاميتين كانتا تواجهان خطرا مشتركا ولهما مصالح مشتركه وهو مادفع الجزائر إلى الإعلان عن ولائها الروحي و التبعيه الاسميه للدوله العثمانيه وتحالفها معها كدوله من خلال تقديم دايات الجزائر أثناء المناسبات الدينيه و السياسيه , وتدعيم الأسطول العثماني . كما عبرت الدوله العثمانيه عن دعم الجهاد البحري للجزائر في حمايه أرض الاسلام في بلاد المغرب بتقديم المساعدات العسكريه كالمدافع و البارود والخشب والحبال والمراكب وغيرذلك
علاقه الجزائر مع دول الأوروبيه و الولايات المتحده الأمريكيه
أقامت الجزائر علاقات سياسيه وتجاريه مع الدول الأوروبيه منفرده بدافع الحيلوله دون قيام أي تحالف أوروبي ضد الجزائر .ولم تخل تلك العلاقات من النزاعات وحروب بحريه بسبب الخلاف حول السياده على البحر الأبيض المتوسط
مع فرنسا
عرفت العلاقات بين الجزائر وفرنسا تطورات متباينه , من الموده و التعاون (عهد خير الدين وفرانسوا الأول ثم في عهد الداي محمد بن عثمان وحكومه الثوره الفرنسيه 1789 م) التي بادرت الجزائر الاعتراف بها إلى التوتر والحروب ( الحمله الفرنسيه على مدينتي الجزائر وشرشال عامي 1682-1683 م ثم أزمه ديون الجزائر على فرنسا وما ترتب عنها من نزاع إلى احتلال ).
مع بريطانيا
كانت للجزائر علاقات دوليه وديه في غالب الاحيان مع بريطانيا فاستفادت الجزائر بين التنافس الحاد بين بريطانيا وفرنسا , تخللت تلك العلاقات معاهدات السلام بين الدولتين , نصت على تنشيط التجاره بين البلدين
مع إسبانيا
تميزت بالتوتر في معظم فتراتها بسبب استمرار احتلال إسبانيا لميناء المرسى الكبير الذي تم تحريره عام 1792 م
مع بقيه الدول الأوروبيه
سارعت بقيه الدول الأوروبيه كالبرتغال و هولندا والسويد إلى إقامه علاقات دبلوماسيه مع الجزائر لتأمين سفنها التجاريه العابره للبحر الأبيض المتوسط
كماسعت الولايات المتحده الأمريكيه إلى إقامه علاقه صداقه وتعاون مع الجزائر آمله في حمايه البحريه الجزائريه لسفنها التجاريه في البحر المتوسط . وهكذا أبرمت معاهده السلام بين الدولتين في سبتمبر 1795م
توطئه
يعتبر الاحتلال الفرنسي للجزائر مظهرا من مظاهر الاختلال الذي ظهر في موازين القوى بين دول أوروبا المسيحيه من جهه و الدولتين العثمانيه و الجزائريه من جهه أخرى لصالح الدول الأوروبيه بعد ظهور الثوره الصناعيه التي احدثت انقلابا جذريا في نمط الحياه الاقتصاديه و الاجتماعيه و السياسيه في أوروبا , حيث أدى ذلك إلى تفوق الأوروبيين عسكريا و اقتصاديا مما سمح لهم بامتلاك زمام المبادره والتمكن من وضع أطماعهم الاستعماريه موضع التنفيذ . وبالمقابل , يسجل على العالم الاسلامي ظاهره الجمود الثقافي والعلمي و البعد عن علوم العصر التي ما فتئت تتطور يوما بعد يوم في أوروبا , بالإضافه إلى الركود الإقتصادي الذي ساد العالم الاسلامي عموما
إفتعال المبررات والذرائع
حاول القاده الفرنسيون تبرير أطماعهم الاستعماريه و إقناع شعبهم باحتلال الجزائر فاختلقوا الاسباب والذرائع التي تدغدغ عواطف شعبهم , حيث تحدثوا إليه عن تعرض شرف الأمه الفرنسيه للإهانه من طرف الجزائريين وذلك في مخاطبه الشعب الفرنسي و العالم من ذلك قولهم
- قيام الداي بهدم حصون المؤسسات الفرنسيه لصيد المرجان والتجاره على الساحل الشرقي للجزائر .
- إصدار الداي قرارا يمنح بمقتضاه الحريه لكل الدول في صيد المرجان وإنهاء الاحتكار الفرنسي لهذا النشاط سنه 1826 م وفي ذلك مساس بكرامه فرنسا
-إجبار القنصل الفرنسي على مغادره الجزائر سنه 1814 م لأنه رفض أن يعوض قروضهم لبعض الرعايا الفرنسيين قبل استشاره حكومته
- رفض الداي أن يعطي إجابات مرضيه على حجز الاسطول الجزائري الباخره الفرنسيه في ميناء عنابه .
- رفض الداي التوقيع على وثيقه مقررات مؤتمر " إكس لاشبيل " التي قدمها له أميرا البحر البريطاني والفرنسي سنه 1818
- استمرار حرق الداي لمعاهده هدنه مع فرنسا خلال سنتي 1826 و1827 م وذلك بقيام أسطوله الجزائري باعتراض وتفتيش السفن والبواخر الفرنسيه أو تلك التي تقع تحت الحمايه الفرنسيه
- قيام الداي بالتلويح بالمروحه إلى القنصل الفرنسي في الجزائر وعدم تقديم الاعتذار المطلوب منه للأمه والدوله الفرنسيه
والملاحظ أن مثل هذه الذرائع غالبا ما يكررها الغزاه لتبرير اعتداءاتهم على الامم الأخرى
حادثه المروحه
بمناسبه عيد الفطر سنه 1243 ه /1827 م استقبل الداي القنصل "دو فال " , فأثار الداي مسأله تحصين فرنسا غير القانوني لمركز القاله وعدم تلقي الداي الرد الفرنسي على رساله الجزائر حول الديون , فأجابه القنصل " إن ملك فرنسا لا يتنازل لمراسله داي الجزائر " فغضب الداي و أمره بالخروج ملوحا بالمروحه التي كانت في يده فانسحب القنصل مهددا بأنه سيبلغ حكومته بما أسماه إهانه شرف الأمه الفرنسيه
الأسباب و الدوافع الحقيقيه للإحتلال
الأسباب الإقتصاديه
أصبحت فكره احتلال الجزائر ملحه منذ أن تأسست الشركه الملكيه الإفريقيه الفرنسيه بمينائي القاله و عنابه , خصوصا بعد أن ظهرت الأطماع البريطانيه في الجزائر من خلال حمله " إكسموت" سنه 1816 م , وفي هذا الإطار كلف المهندس الفرنسي "بوتان " من طرف نابليون سنه 1808 م بإعداد دراسه عن الساحل الجزائري وضبط خريطه مفصله لأحسن موقع لإنزال الجيش على التراب الجزائري , وقد أشار المهندس إلى منطقه سيدي فرج التي نزلت بها القوات الفرنسيه فعلا
الدوافع السياسيه
كانت فرنسا سنه 1830تعيش أزمه سياسيه داخليه بين الحكومه الملكيه الاقطاعيه والمعارضه السياسيه الجمهوريه , فأراد الملك أن تساهم الحمله على الجزائر في تغيير الرأي العام الفرنسي لصالح الملكيه , والخلاصه أن الملكيه الرجعيه في فرنسا أرادت غزو الجزائر لصرف أنظار شعبها عن قضاياه الداخليه بإثاره عواطفه من خلال التحدث إليه عن شرف الأمه الفرنسيه المعرض للإهانه في الجزائر حسب إدعائهم
الدوافع الدينيه
جاءت على لسان رئيس الوزراء الفرنسي " دي بولينياك " بأن الاحتلال الفرنسي يجب أن يباركه كل المسيحيين وكل العالم المتحضر وقد جاء في كلامه " إذا كان للصراع الذي أوشك أن يبدأ نتيجه هامه فهي التي يجب أن تسجل لصالح المسيحيه . وبهذا كسب تأييد الشعبي المفعم بالعواطف الدينيه للحمله على الجزائر التي أحملت لواء الجهاد البحري زمنا طويلا
العامل العسكري
استغلال ظروف الجزائر العسكريه المتمثله في فقدان معظم قطع الاسطول الجزائري في معركه نافارين جنوب اليونان إلى جانب الدوله العثمانيه مما أدى الى انكشاف السواحل الجزائريه وبقائها بدون حمايه
إحساس الفرنسيين بتفوقهم عسكريا على الجزائريين لأن جيوشهم حديثه قويه التجهيز والتسليح
إحتلال العاصمه وسقوط الدوله الجزائريه
مهدت فرنسا للإحتلال بفرض حصار عسكري بحري على الجزائر بغرض إضعاف قوتها الاقتصاديه المعتمده على النشاط البحري , وإغلاق الباب أمام أي تدخل محتمل من طرف الدوله العثمانيه أو الدول الأوروبيه المنافسه لها من جهه , وإعطاء الوقت الكامل لمساعيها الدبلوماسيه لإقناع الدول الأوروبيه بجدوى احتلال الجزائر مدعيه أن ذلك في صالح أوروبا والمسيحيه عموما
في 7 فيفري 1830 أصدر الملك شارل العاشر قرارا ملكيا يقضي باتخاذ كل الاجراءات لاعداد الجيش وتحضيره لغزو الجزائر.وبعد استكمال الاستعدادات غادرت الحمله الفرنسيه بقياده وزير الحربيه (الجنيرال دي بورمون) ميناء طولون الحربي في 25 ماي 1830 متجهه الى الجزائر . وفي 14 جوان 1830 أنزلت قواتها بسيدي فرج الواقع غربي العاصمه . وفي غياب خطه عسكريه دفاعيه محكمه للحيلوله دون تحقيق الحمله لأهدافها نجح الفرنسيون في إنزال قواتهم والتوجه صوب العاصمه وفي غياب خطه عسكريه دفاعيه محكمه للحيلوله دون تحقيق الحمله لأهدافها نجح الفرنسيون في إنزال قوتهم والتوجه صوب العاصمه بعد انتصارهم على القوات الجزائريه في معركه سطاوالي شرق سيدي فرج رغم المقاومه الباسله للجزائريين. وأحكم الحصار على العاصمه التي تعرضت لقنبله المدافع دون انقطاع
أرسل الداي حسين الى قائد الحمله " دي بورمون " يعرض عليه الصلح والتنازل عن الديون ومنح الامتيازات تجاريه لفرنسا وتعويض جميع نفقات الحمله . لكن قائد الحمله الفرنسيه أصر على استسلام الداي . وهذا ما تم فعلا صبيحه 5 جويليه 1830 . واندفع الجيش الفرنسي ينتهب الممتلكات ويستولي على الاموال التي كانت في خزينه الدوله الجزائريه . كما زرع الجنود الفرنسيين الرعب والموت والدمار في المدينه , واستولوا على القصور والممتلكات العامه والخاصه وانتهكوا حرمات المقدسه الدينيه
المواقف الدوليه لاحتلال فرنسا للجزائر
تباينت المواقف الدوليه من سقوط الجزائر بأيدي القوات الفرنسيه بين مؤيد ومعارض ومتحفظ . فقد كان موقف الدول الأوروبيه في عمومه مؤيدا للغزو والاحتلال حيث أيدت روسيا , وألمانيا الحمله واضطرت النمسا الى التأييد بعدما كانت في صف الموقف البريطاني المعارض الوحيد , لأن بريطانيا رأت في ذلك تهديدا للتفوق الانجليزي في البحر المتوسط وأعلنت أنها لن تسمح بأكثر من عمليه قصف تأدديب لمدينه الجزائر ولكن بريطانيا لم تستطع ترجمه موقفها هذا عمليا , كما أيدت الدول الاسكندنافيه ودول الضفه الشماليه للبحر المتوسط الحمله بعد المساعي الدبلوماسيه الفرنسيه المبذوله في هذا الاطار
أما في العالم الاسلامي فقد كان باي تونس من المؤيدين للإحتلال انتقاما من دايات الجزائر الذين كانوا يعتبرون تونس تابعه لهم . في حين التزم المغرب التحفظ و الصمت
أما إياله طرابلس فقد عارضت الحمله معارضه سياسيه ولم تجسد ذلك عمليا , أما الدوله العثمانيه الحليف الاسلامي الاكبر والدوله الام فلم يكن موقفها في مستوى الحدث , نظرا لحاله الضعف التي كانت تعيشها بتفشي الفوضى في قواتها العسكريه وعدم مواكبتها للتطورات الحضاريه الحاصله في أوروبا وبالتالي فنصر موقفها على إرسال مبعوث خاص هو (طاهر باشا) لتبديد الخلاف بين الجزائر وفرنسا لكن هذه الوساطه جاءت متأخره , ثم إن فرنسا لم تعرها اهتماما وكانت قواتها قد حققت انتصارا على أرض الميدان
مضمون وثيقه معاهده الاستسلام المبرمه بين الداي حسين وقائد الحمله الفرنسيه دي برمون يوم 05 جويليه 1830 م الموافق ل 3 محرم 1246 ه
1- تسليم قلاع وحصون العاصمه وأبوابها والميناء صبيحه الخامس من جويليه
2-يتعهد دي برمون بحفظ حياه الداي وممتلكاته الشخصيه
3-يخير الداي بين السفر صحبه أمواله أو يبقى مع أسرته
4- كل الجنود الاتراك يتمتعون بنفس الحقوق والحمايه
5- إقامه الشعائر المحمديه تكون حره ولا يقع أي مساس بحقوق وحريه السكان من مختلف الطبقات لا بدينهم ولا بممتلكاتهم ولا بتجارتهم ....وتحترم نسائهم
6- يقع تبادل هذه الوثيقه ممضاه يوم 5 جويليه قبل العاشره صباحا وفي حال يتسلم الجنود الفرنسيون القصبه وقلاع المدينه الاخرى
توطئه
بدأت المقاومه الجزائريه نشاطها الجهادي تعبيرا من الشعب الجزائري عن رفضه المطلق للوجود الاستعماري الدخيل على أرضه , حيث لم تكن هناك سلطه أو نظام سياسي قائم بعد سقوط حكومه الداي حسين يمكنه أن يوقف زحف التوسع الاستعماري الهادف الى السيطره على المدن الساحليه الاستراتيجيه والاستلاء على الاراضي الخصبه لتكون قاعده الاستيطان .وفي هذا السياق عرفت الجزائر المحتله العديد من المقاومات التي شملت ربوع الوطن وتزامن اندلاعها مكانا وزمانامع سياسه التوسع الإستعماري الإستيطاني , نذكر منها مقاومه الامير عبد القادر , أحمد باي , أولاد سيدي الشيخ بوعمامه , حيث التف الجزائريون حول هؤلاء القاده والزعماء تقديرا لهم و إيمانا منهم بحتميه الجهاد والتضحيه فداءا للوطن المغتصب , وهذا رغم قله الإمكانيات والتباين الكبير في موازين القوى بين الجزائريين والمحتلين الفرنسيين
المقاومه الشعبيه التلقائيه 1830-1832
لقد قابل الجزائريون الإعتداء الفرنسي واحتلال مدينه الجزائر بردود فعل مسلحه عنيفه , يدفعهم حب الوطن والانتصار للدين وحفظ العرض و الشرف ,وفعلوا ذلك تحت قيادات وطنيه دينيه منها الحاج محمد بن زعمون , محي الدين بن مبارك , الحاج السعدي , علي بن موسى حيث عقدوا اجتماعا في 23 جويليه 1830 في برج البحري ضد أهالي متيجه فليسه , عمراوه , حجوط, يسر ... لتوحيد جهود المقاومه وعدم ترك العدو يخترق أرضهم ويهين كرامتهم
وتنفيذا لمقررات هذا الاجتماع هاجمت القوات الجزائريه الجيش "دي برومون " أثناء عودته الفاشله ن البليده وطاردته حتى دخل العاصمه وفرض المقاومين الحصار على المدينه المحتله ومنعوا المؤونه عنها
وفي نوفمبر 1830م حاول " كلوزال "تكرار الحمله على البليده لكنه اصطدم بمقاومه عنيفه يقودها حسين بن زعموم متكونه من سبعه آلاف جزائري في بوفاريك انتهت بتدمير مدافع الفرنسيين ,كما قام المقاومون بمهاجمه الحاميع الفرنسيه في البليده
من جهه أخرى كانت المقاومه بالمرصاد للمشروع الزراعي الاستطاني الذي بدأه العدو في سهل متيجه حيث قتلت بعض المزارعين من جنود العدو ودفعت بعضهم الآخر الى الفرار من المزرعه النموذجيه التي أنشأها كلوزال بالقرب من وادي الحراش
وفي منتصف جويليه 1831 م هاجمت القوات الجزائريه المزرعه من جدي , وفي أفريل 1832 م وعلى اثر مجزره " العوفيه" التي ارتكبها العدو بقياده "روفيقو " في حق الابرياء من النساء و الاطفال شن المقاومون هجوما كبيرا على قوات العدو قرب العوفيه فقد خلالها العدو 57 جنديا من أفراده
وفي سبتمبر عقدت قيادات المقاومه اجتماعا قرب بوفاريك أدى الى جمع الكلمه من جديد وتشكيل قوه كبيره من المجاهدين استطاعت أن تلحق هزيمه بقوات العدو في 02 أكتوبر 1832 م فتراجع العدو وانحصر داخل مدينه الجزائر
مقاومه الأمير عبد القادر و إعاده بعث الدوله الجزائريه
بعد احتلال مدينه وهران في 04 جانفي 1831أحس الجزائريون في الجهه الغربيه من الوطن بالحاجه الى القائد يوحدهم ويقود المقاومه فعرضوا الامر على الشيخ محي الدين والد الأمير , لكنه اعتذر لكبر سنه وتعهد بخوض القتال وقياده المعركه عند الضروره , وتم ذلك فعلا في معارك خنق النطاح الأولى والثانيه وبرج رأس العين (بضواحي وهران -سبتمبر 1832 م) حيث شارك ابنه عبد القادر وانتهت بانهزام الفرنسيين , وقد برزت خلال هذه المعارك شجاعه الامير في القتال وصفات القياده فيه مما أكسبه تقديرا واحتراما من طرف أهالي وأعيان المنطقه الغربيه بمعسكر ووهران فسارعوا الى مبايعته بعد اعتذار ابيه محي الدين , وقد تمكن من قياده المقاومه وبناء دوله واجهت أكبر قوه استعماريه مده تزيد عن 15 سنه
بيعه الامير عبد القادر
اجتمعت القبائل الجزائريه في سهل غريس قرب معسكر وبايعت الأمير عبد القادر , كان ذلك عند شجره الدردار تيمنا ببيعه الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الشجره . وقعت المبايعه يوم 03 رجب 1248 م وقد نص مضمون البيعه على
توحيد صف القبائل لنصره دين الله وقتالالعدو المحتل الذي تمتد مخاطره , تمتد الى مختلف أنحاء الوطن
صيانه النفوس والاموال من أهل البغي و الفساد
وبعد هذه البيعه المباركه كاتب الامير قاده القبائل الجزائريه في مختلف أنحاء البلاد يخبرهم فيها بأمر البيعه ويدعوهم الى توحيد الكلمه والاتظمام الى الصف من أجل إعلاء كلمه الله وتحرير الوطن
وجرت البيعه الثانيه للأمير بدار الاماره في مدينه معسكر بحضور عدد كبير من الاعيان و الشيوخ والعلماء والمواطنين , وذلك يوم 13 رمضان 1248 ه / 3فبراير 1833 م
حكومه الامبر
بعد أن فرغ الامير من مراسيم البيعه شرع في تشكيل الحكومه , حيث عين الوزراء والكتاب , وأنشأ مجلسا للشورى ,كما قسم البلاد الى 8 مقاطعات (ولايات) على رأس كل منها خليفه للأمير
باشر الأمير مهامه فقام برد المظالم التي وقعت أثناء غياب الدوله , وألغى الضرائب والمغارم التي كانت تدفع لحكومه الداي , كما قام برحله عمليه في مختلف المناطق تمكن أثناءها من توطيد الأمن وإقامه الصلح بين القبائل و الأعراش وتمتين الروابط بين الدوله والمواطنين
جيش الأمير
أحس الأمير من خلال احتكاكه بالعدو بالحاجه الى تكوين جيش نظامي يتجلى بالانضباط لخوض كفاح شاق وطويل ضد الغزاه الاقوياء المصممين على البقاء مالم ترغمهم على الخروج نيران الأسلحه ودماء الشهداء
ومن هذا المنطلق قام الأمير بإنشاء جيش عصري مدرب على القتال مطلع على مختلف فنون الحرب مؤمن بالكفاح المسلح ويتصف بالطاعه والإنضباط , قسمه إلى ثلاث فرق منها المشاه والخياله والمدفعيه , وعين على كل فرقه قائدا سماه آغا , كما وضع القوانين التي تسير تلك الفرق , جمع فيها خلاصه تجربته الميدانيه كما أخذ من النظم العسكريه العثمانيه.وشرع في إنشاء مصانع الأسلحه والذخيره لتزويد جيشه بما يحتاجه من عتاد حربي
نص البيعه
بعد الديباجه (المقدمه) "لما انقرضت الحكومه الجزائريه من سائر المغرب الاوسط واستولى العدو على مدينه الجزائر ومدينه وهران , وطمحت نفسه العاتيه الى الاستلاء على السهول والجبال والغدافر , وصار الناس في هرج ومرج وحيص وبيص ....قام من وفقهم الله للهدايه من روؤساء القبائل وكبرائها وصناديدها وزعمائها , فتفاوضوا في نصب إمام يبايعونهاعلى الكتاب والسنه فلم يجدو لذلك المنصب الجليل إلا ذا النسب الطاهر , والكمال الباهر , ابن مولانا السيد محي الدين , فبايعوه على كتاب الله العظيم وسنه نبيه الكريم
مراحل مقاومه الأمير
مرحله القوه 1832 - 1837 :
هي المرحله التي تميزت بتأسيس جيش الأمير وشروعه في محاصره القوات الفرنسيه في المدن والمراكز الساحليه المحتله كوهران ومستغانم , وقطع التموين عنها , وقد اتبع خلالها حرب العصابات كخطه عسكريه تعتمد أسلوب المفاجئه وعدم المواجهه المكشوفه بسبب عدم التكافئ في القوه العتاد , وهو ما أجبر قائد قوات الأحتلال في وهران إلى طلب الصلح وعقد معاهده بين الطرفين سميت بمعاهده ديشمال وذلك في 26 فيفري 1834 م بموجبها يفك الحصار المضروب على المدن المحتله ويسمح للحاميات العسكريه الفرنسيه أن تتمون من الأسواق الجزائريه وبالمقابل استغل الامير توقيف القتال لتنظيم جيشه واستيراد العتاد والسلاح من الخارج
غير أن نقض العهد في جوان 1835 من طرف الفرنسيين بقياده تريزيل دفع الأمير الى استئناف الفعال فألحق نكراء بالقوات الفرنسيه في معركه " المقطع " الشهيره , ما أحدث صدمه مهوله في فرنسا , فقرر مجلس النواب فيها زياده عدد القوات الفرنسيه في الجزائر وتعيين "كلوزيل " قائدا جديدا , أما نتائجها على المستوى المحلى , فقد متنت علاقه الامير بشعبه وبقيادات المناطق المختلفه فقدمت ولائها له.
مرحله الهدوء المؤقت 1837 -1839 م:
بعد فشل كلوزيل في الإنتقام , من هزيمه معركه المقطع , وفشله في احتلال مدينه قسنطينه 1836 م , وعجزه على فك الحصار المضروب على جيشه في الوادي تافنه أقدمت فرنسا على تعيين " بيجو " حاكما على المنطقه الغربيه خلفا ل "كلوزيل " وهذا لرغبتها الشديده في توفير الجو ملائم لاستقدام المعمرين وتمكينهم من أراضي زراعيه في وهران ومتيجه , ومعاوده الكره لاحتلال قسنطيينه , هذه المعطيات دفعت " بيجو " الى طلب معاهده صلح مع الأمير عبد القادر سميت بمعاهده التافنه وذلك في 30 ماي 1837 م تحددت من خلالها مناطق سلطه الأمير عبد القادر باعتراف فرنسي , حيث احتفظت بالمدن الساحليه (مستغانم , أرزيو , وهران) و اعترفت للأمير بالسياده على بقيه المناطق , وقد استغل الامير هذه الهدنه في توطيد دعائم دولته بتقسيم البلاد الواقعه تحت سلطته إلى ثماني مقاطعات على رأس كل منها خليفه له . كما قام بإنشاء العديد من المؤسسات منها المساجد ومجالس الشورى وبناء تحصينات في المدن التابعه له مثل تاقدامت (تيهرت ) التي اتخذها مقرا له بعد سقوط معسكر ,و أنشأ فيها مصنعا كبيرا للسلاح والذخيره , وكذلك الشأن في مدينه مليانه .
مرحله حرب الإباده 1839 -1847 م:
بدأت هذه المرحله بخرق فرنسا لمعاهده التافنه بعد أن حققت أهدافها باحتلال قسنطينه عام 1837 م , تمثل ذلك الاختراق في عبور قواتها الأراضي التابعه للأمير وكان ذلك بمثابه إعلان حرب على الدوله الجزائريه، حدث هذا في 19 نوفمبر 1839 م , تميزت هذه المرحله بما يلي :
تعيين مارشال بيجو حاكما عاما للجزائر .
مضاعفه عدد القوات الفرنسيه حيث بلغت 78000جندي سنه 1841 م .
قيام بيجو بحرب الاباده شامله ضد القبائل الثائره بحرق محاصيلها الزراعيه ومصادره مواشيها وقطع أشجارها وفرض ضرائب باهضه عليها وقتل جميع الرافضين للإستسلام لسلطه العدو , وذلك إمعانا من المحتلين في أضعاف روح المقاومه .
ضرب حصار على المدن التابعه للأمير وإجباره على الخروج منها كي تسهل مطاردته مما اضطر الأمير لتكوين عاصمه متنقله (زماله) ثم اللجوء الى المغرب سنه 1843 م لطلب المساعده دون جدوى .
أمام هذه الظروف الصعبه جمع الأمير ما تبقى له من رجال وعرض عليهم الموقف وتشاور في الامر وانتهت المشوره بالاجتماع على توقيف المقاومه للأسباب التاليه :
عجز الكثير من القبائل عن مواصله القتال بسبب حرب الاباده التي مارستها القوات الفرنسيه ضدها .
استشهاد معظم مساعدي الامير وقاده جيشه , وصعوبه التعبئه و التجنيد , وتعذر على الامير أن يحصل على التمون بالاسلحه و الذخيره . بالاضافه الى رضوخ ملك المغرب للضغوطات الفرنسيه فأوقف أي دعم للأمير .
وهكذا اضطر الامير للتخلي عن العمل المسلح والقبول بالامر الواقع فتنحى عن قياده المقاومه عام 1847 م , لكن ذلك لم يفت من عزيمه الجزائريين في مواصله الكفاح تحت قيادات أخرى وفي جميع المناطق التي حل بها الاستعمار الفرنسي من الوطن الجزائري.
مقاومه أحمد باي قسنطينه
شارك الباي احمد بفعاليه ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر العاصمه , حيث ساهم بقوات قُدر عددها بثلاثه آلاف فارس , إثر سقوط العاصمه عاد الى قسنطينه واتخذ موقفا رافضا للإحتلال وبدأ يعد العده للمواجهه بتشكيل جيش شعبي من المتطوعين إضافه الى ما تبقى لديه من الجيش النظامي واستطاع صد حمله فرنسيه في سبتمبر 1831 م على مدينه عنابه قتل فيها قائدا لتلك الحمله , فقررت فرنسا القيام بحمله ثانيه استعملت فيها المدفعيه بكثافه كبيره وتمكنت من احتلال المدينه بعد مقاومه عنيفه
وبعد هذه النكسه تمكن الباي أحمد من إلحاق الهزيمه بالفرنسيين في حملتهم الأولى على قسنطينه في نوفمبر 1836 م
إن ذلك دفع فرنسا الى مهاجمه قسنطينه ثانيه في أكتوبر 1837 م حيث جندت قوات ضخمه مستفيده من هدوء الجبهه الغربيه مع الامير عبد القادر إثر معاهده تافنه 30-05-1837 م , وقد استخدم الفرنسيون في هذه الحمله القصف المدفعي واستطاعوا الدخول الى قسنطينه بعد مقاومه مستميته خاض خلالها المدافعون عن المدينه حرب شوارع قتل فيها المارشال "دامريمون" وقائد أركانه بيريقو
بعد احتلال قسنطينه توجه الباي احمد نحو الجنوب القسنطيني لمواصله المقاومه محاولا إيقاظ الشعور الوطني لدى المواطنين وتعبئتهم ضد العدو , حيث وصل في تحركاته الى عمق الصحراء , إلا أن إداره الاحتلال الفرنسيه سعت لاستماره شيوخ القبائل مقابل منحهم مناصب إداريه ونفوذا على أتباعهم وتأمين أملاكهم , ثم أن الدوله العثمانيه لم تلب نداء النجده الذي وجهه إليها أحمد باي , وهكذا اضطر في النهايه الى توقيف المقاومه سنه 1848م