ملخص الدرس / الثالثة ثانوي/فلسفة/فلسفة العلوم/الحقيقة العلمية و الحقيقة الفلسفية المطلقة

مقدمة+طرح المشكلة:

تحررت العلوم عن الوجود والعزلة التي صنعتها الفلسفة لمدى عقود طويلة وخرجت من الطابع النظري المجمد للطاقة العلمية وروحها إلى الطابع التجريبي فأخذت العلوم في استثمار وإنعاش  رصيدها العلمي وعن بين هذه العلوم هي علوم المادة الجامدة وهي تعني بمركبات الكون وظواهرها المجهرية واللامجهرية فلم يتلقى المنهج الاستقرائي الترحيب الكامل فانقسموا المفكرون والعلماء  وتجادلوا بين مؤيد ومعارض لفكرة  تدخله المسبب في قصور وارتياب نتائج العلوم التجريبية لان القوانين العلمية نسبية وهناك من يرى بأنه له الخطوات الواثقة المتألقة لإرساء العلوم التجريبية كعلم يقيني يخلصها من الشكوك والتفسير الميتافيزيقي لان القوانين العلمية لا قيمة لها بدون تطبيق الحتمية في ظل هذا التعارض نتساءل هل تعتبر العلوم التجريبية صادقة في تطبيق المنهج الاستقرائي ودقيقة في استخلاص نتائجها؟

 

محاولة حل المشكلة:

عرض منطق الأطروحة:

يذهب أنصار اللاحتمية إلى أن نتائج العلوم التجريبية غير مطلقة مستدلين بجملة (بحزمة) من البراهين والحجج أولها أنها ظواهر طبيعية يعتريها التغير والتبدل باستمرار ما ينعكس على النتائج ونجد في صعوبة التجريد فيؤدي بالباحث إلى استخدام منهج الاستدلال كدراسة مركز الأرض إذ لا يكمن الوصول إليها للمخاطر التي تحدق بالمكتشف (العالم) للحرارة العالية جدا من جوف الأرض نقص الأكسجين وارتفاع الضغط وغيرها من العوائق التي تحول دون إيجاد دراسة واقعية حقيقية بعيدة عن تصورات تقريبية للباحث من هذه الظاهر الصعبة فكما يوضح ذلك العالم راسل في عدم وجود مبررات كافية لحالات لم تعرفها بعد أو التي ستحدث في المستقبل هي حالات سابقة مشابهة لها فهذا مرفوض . وكذا الأخطاء التي يقع فيها الباحث هي الانطلاق من مقدمات غير مؤكدة لأنه يضطر إلى التسليم والاعتماد على مبادئ غير مؤكدة في أي ظاهرة وبسبب وضعه لفرضيات تبعدنا عن المعلومة الحقيقية ويفصل في ذلك ادموند غوبلو قائلا أن "الفرضية فقرة في  المجهول" لأنها عنصر في المنهج الاستقرائي يقوم على الخيال والأفكار الميتافيزيقية التي ترجعنا إلى التفسير الفلسفي النظري وتقول نصيحة ماجندي إلى تلاميذه أن "اترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر" أي لا مجال لتصورات في العلوم التجريبية لأنها معرفة علمية حسب قول ارنت ما خان " المعرفة العلمية تقوم على انجاز تجربة مباشرة" وعليه لا يمكن اعتبار قوانين علوم المادة الجامدة يقينية لأنه لا يمكن التخلي عن أي خطوة  من خطوات المنهج التجريبي ونجد مبدأ السببية إذ برى  بعضهم  انه لا وجود  لضرورة حقيقية بين العلة والمعلول لأنها مجرد تعاقب الأحداث للظاهرة ويوضح دفيد هيوم بأنها نشأت هذه الضرورة بتعود العقل على تسمية الظاهرة الأولى (على) والثانية (معلول) وهذا خطا كقولنا أم ظاهرة تعاب الليل والنهار لان المسبب هو الليل والنتيجة هي طلوع فجر نهار جديد ونتائج المنهج الاستقرائي احتمالية وليست يقينية لان سير منهجه مختلف من عالم إلى أخر ابتدأ من الخطوة الأولى لخطواته هي الملاحظة فهناك ملاحظة معمقة وصحيحة وهناك سطحية لان العالم المجتهد في بحثه ستكون ملاحظته مسلحة بالأدوات التقنية أو التكنولوجية حسب نوع  الظاهرة والنفس الطويل في تتبع ومراقبة ظاهرة من ظواهر العلوم التجريبية وكذا تدخل العقل والحواس في ذلك والتي تتفاوت وتتغير من مستوى ذكائي وحسي متنوع من باحث لأخر وطرق قوانين منهج الاستقراء التي توضح النسبية والتقريب في مجرد العثور على عدد كاف من المعطيات والأجزاء لإنشاء قوانين وثوابت عامة لكل ظاهرة وهذا تناقض وهنا تكمن صعوبة التعميم فلا يمكن اعتبار الكون آلة ضخمة تحكمها سلسلة من الأسباب الدقيقة المحددة و الموضوعة لها سلفا فالعلوم التجريبية ليست خاضعة لضرورة سببية صارمة ومتكررة تبعا لنتائج سابقة والارتياب الواضح لقصور  أدوات التجريب للباحث لا توصلنا لحقائق ثابتة فلاعتماد على التجربة لمعناها الضيق والتعميم لها.

 ولقد سطع مع العالم الألماني هايزبنرغ الهدف الصحيح المبتغى والتي تسير عليه العلوم التجريبية للتخلص من الثبات والجمود  هو مبدأ الحتمية قائلا أن "الوثوق الحتمي كان وهما" أي أن الحتمية انتهت ببرهنته لقوانين الميكانيك في العالم الأكبر الكلاسيكي لا تنطبق على العالم الأصغر عندما استحال عليه التحقق على وجه الدقة من قياس حركة الإلكترون ، واكتفى بحساب احتمالات الخطأ المرتكب في التعلق وعلائق الارتياب ،فاستخلص القوانين الآتية فكلما ثبت موقع الجسم تغيرت دقة حركته ،ولكما دق قياس حركته التبس واختلط عليه موقعه ومنه لا يمكن قياس حركته وموقعه معا وفي  زمن لاحق ومستقبلا ومنه لا يوجد شيء قابل للثبات والديمومة

النقد:

تنطلق رؤية هذه الأطروحة من زاوية واحدة ولكن من زاوية أخرى نجد أن نتائج العلوم التجريبية ليست يقينية مبالغا فيها، فصحيح أن الظاهرة الجامدة متغيرة ومتنوعة ومتداخلة فيما بينها،ولكن هذا لا يمنع أن للعلوم التجريبية أمور وظواهر ثابتة كقولنا على استمرارية عمليات احتراق الغازات والمكونات المشتعلة في الشمس التي تمدنا بالدفء والحرارة وكقولنا على استمرارية دوران الأرض حول نفسها كسبب وحيد وحتمي وكنتيجة يقينية على شكل الأيام وتكرار ظاهرة تعاقب الليل والنهار فإذن هذا ما يعاب على رفض حتمية النتائج وتكرار الأسباب يمنع من العلم التجريبي بان يكون علم يقيني فيه حقائق ثابتة لا تتغير ،وما يعاب على رفض الدور الهام للملاحظة وهي سبب في الارتياب والنسبية الذي يوضح ذلك في قول  العالم ماكس بلانك بان "لا فرق في الطبيعة بين الاستدلال العلمي التجريبي والاستدلال العادي اليومي ولكن الفرق بينهما يكمن في درجة النقاء والدقة وهذا الاختلاف سبيه ما بالاختلاف بين المجهر والعين المجردة "وفي صريح هذا الكلام بان الملاحظة العلمية والتجربة بأدوات المخبر كالمجهر هنا فرق شاسع وكفيل لليقين في نتائج العلوم التجريبية.

 

عرض نقيض الأطروحة:

يرى العقلانيون الحتميين الكلاسيكيون أمثال كانط ولابالاس أن نتائج العلوم التجريبية دقيقة وقوانينها مطلقة يدعون أنها قائمة ومؤسسة على مبدأ الحتمية ،لان قوانين العلوم التجريبية جاءت من حتميتها وتسليمها لقناعات أساسية هي أن الحوادث تفسر بأسبابها والتي تؤدي حتما لنفس النتائج وخضوع الطبيعة التي تحتوي على المادة الجامدة لنظام شمولي واحد بعيد  علن التناقض كحل جزء فيه يتركز على جزء أخر ويعمل وفق وتيرة وقواعد ثابتة فلا مجال  للتغير الذي يخل بتوازن الكون.

ويوضح العالم الفيزيائي لابلاس قائلا أن"يجب أن ننظر (نعتبر) للحالة الراهنة للعالم كنتيجة للحالة السابقة وكمقدمة للحالة القادمة" وعليه فان التعميم للظواهر ضروري لإيجاده ولإثباته كعلم واضح  كما أصبح فرع العلوم التجريبية الفلك من تنبؤ واستشراف بحدوث ظاهرة الكسوف والخسوف للقمر وهذا للحسابات والقواعد الفلكية الثابتة وبلغة الرياضيات اليقينية وكقولنا عن درجة الغليان والتجمد للماء تبقى لوازم أساسية ثابتة في العلم التجريبي مهما تغير الزمان والمكان وفي هذا يصرح العالم كانط :الاستقراء هو مشروع سليم يمشي بخطى واثقة قائلا"الاستقراء يقوم على مبدأ السببية العام" لان غاية العلم الوصول إلى تفسير الظواهر بعلل وتفاسير لان العلم أساسا قائما على السببية أي لكل سبب مسبب ومن خلال معرفتنا لأسباب والإحكام الجزئية يمكننا استخلاص القواعد العامة أي إيجاد أحكام كلية وان توفر نفسر الأسباب لحالة أخرى هي ضرورة مشابهة لها.

ونجد تصريحات العالم الفرنسي كلود برنار الفاصلة في مشروعية مبدأ الحتمية  الضروري لجميع العلوم وتخضع له الظواهر وإنكار الحتمية هو إنكار العلم أساسا  قائلا" العلم حتمي أو لا يكون" موضحا أهمية ودقة المنهج التجريبي في قول أخر له بان " النقد التجريبي يضع كل شيء موضع شك الا الحتمية العلمية فهي نقطة انطلاق لكل العلوم".

ويشاطره الرأي هنري بوان كاري بان العلم نسق من العلاقات الثابتة قائلا في ذلك :"العلم حتمي وذلك بالبداهة-فهو يضع الحتمية موضع البديهيات لأنه لو ما هي لما أمكن أن يكون"  إذ يرفض فكرة الاحتمال والصدفة لأنه ببساطة الموضوع هو نظام شمولي وثابت ويقول احدهم في ذلك :"أن الصدفة وهما اخترعناه لتبرير جهلنا بالأسباب" أي أن نتائج العلوم التجريبية يقينية دقيقة خالية من التناقض والصدف والنسبية.

فالملاحظ يصغي إلى الطبيعة أما المجرب يسألها ويرغمها على الجواب"كوفي.

النقد:

قد يكون مبدأ الحتمية يضع بعض الخطوات في دقة نتائج العلوم التجريبية ولكنه من جهة أخرى نجده عائقا استمولوجيا في مجال المعرفة العلمية فعلى سبيل المثال هذا لا ينطلق على ظاهرة التفكك النووي (الإشعاع النووي) لا يمكن التنبؤ بحدوثه وهو مستقل  عن عامل خارجي إذن لا توجد حتمية لحدوث ذلك ونظرية النسبية لدى اينشتاين التي تفسر التقريب ولان الروح العلمية تتناقض مع التفسيرات المطلقة والثابتة ليستمر التطور والتقدم للرصيد العلمي وان ما يعاب على الحتميين أن للصدفة ليس لها دور ونصيب في العلوم التجريبية ونتائجها وتلخيص قوانينها يعتبر قلت لإبداع عقل الإنسان الذي يفتح الأفق للحظ والمخيلة الهامتين في تطور الاكتشافات العلمية لا لو لم يتطور ويتخيل نيوتن في فكرة وجود قوة جذب للتفاحة إلى الأرض لما انبثقت عنها انجازات علمية وقواعد للعلوم التجريبية مشرفة للحضارة البشرية وكذا أكد  العالمان اينيجتون وديراك أن الدفاع عن مبدآ الحتمي مستحيل فكلاهما يجد أن العالم المتناهي في الصغر يسير ويخضع لمبدأ الإمكان والحرية والاختيار.يقول احمد عزت راجح أن:"المنهج التجريبي هو المنهج المثالي لكنه ليس المنهج الوحيد لاختيار صحة الفروض"والتقنيات  الحديثة أزلة فكرة العشوائية في ظواهر الميكروفيزياء وأصبح قادرا على تفسيرها بقوانين خاصة والقول بعدم مشروعية الاستقراء يوقعنا في الشك وكل ما أنجزه الإنسان من نظريات علمية.

 

التركيب:

من خلال عرض الأطروحتين يتبين لنا أن البحث العلمي المعتمد على المنهج التجريبي أكد قدرته على تقديم إجابات كثيرة عما يشغل الإنسان لكن رغم كل هذا تبقى نتائجه تتميز بالنسبية وذلك لعدة اعتبارات منطقية استمولوجية وعلمية.فإذا نظرنا للظواهر الطبيعية تتميز في ذتها بالحتمية ونفس الأسباب تعطينا هذا التوازن الكوني الفريد العجيب ولكن معرفة الإنسان ا بها هي التي تتميز بالقصور حيث لا يمكنه الإحاطة بكل أسباب الظاهرة مما يجعل المعرفة الإنسانية معرفة نسبية تقريبية وهذا ما ينشد إليه غاستون باشلار قائلا أن "  العلم هو مجموعة حجج ومجموعة قواعد وقوانين وأمور واضحة".

 

الخاتمة:

وفي ختام القول والتحليل الحاد نستخلص بأنه لا يمكن الحديث عن الدقة المطلقة (الكاملة) في العلوم التجريبية ما دام الاستقراء ناقصا  والنتائج نسبية هذا أن العقل البشري غير معصوم من الخطأ والطبيعة لا حدود لها لكن يمكن الحديث عن تطور مستمر لهذا العلم فكلما تطورت وسائل الملاحظة والتجربة وان كلمة اليقين محذوف في قاموس عصرنا اليوم الذي يبعدنا عن انعاش وتقييم الرصيد العلمي واكتشاف الأخطاء والجديد .

غاستون باشلار :"العلم الطبيعي المعاصر هو بناء عقلي ستبعد اللامعقولية عن مواد بنائه."

هل الحقيقة مطلقة أم نسبية؟

مقدمة:

عادة ما ترتبط المعرفة بالإنسان ، لأنه هو الوحيد الذي يملك استعدادات فطرية تمكنه من تحليلها ، وأقصى ما يطمح إليه هو إدراك الحقيقة، والتي تعرف على أنها المعرفة الشاملة والكاملة بالواقع ، ولما كانت مرادفة لما هو ثابت ومستقر أصبحت تتصف بأنها مطلقة ، والسؤال الذي يطرح في هذا المقام هو: هل الإنسان قادر بالفعل على بلوغ الحقيقة المطلقة وهو الكائن النسبي؟ أليس هذا تناقضا؟ لقد تباينت مواقف الفلسفة ، فمنهم من اقر بوجود حقيقة مطلقة ما دامت الأشياء متضمنة لصفاتها في ذاتها والعقل هو المدرك لها ، وفي المقابل هناك من يؤكد عدم إمكانية بلوغها ، ويرى أن الحقيقة لا تتجاوز النسبية ولا وجود لشيء نهائي يجب الوقوف عنده ما دام العالم في تغير مستمر . فأي الموقفين يعبر عن الحقيقة؟

الموقف الأول:

يرى فريق من الفلاسفة أن الحقيقة المطلقة ممكنة طالما هذا الإنسان يملك عقلا مفكرا. وهنا نجد أفلاطون قديما يميز بين عالميين ، عالم المحسوسات وعالم المثل، فالأول يمثل العالم المادي المحسوس المتغير، وموجداته هيا بمثابة ظلال وأشباح لعالم المثل ، وهذا الأخير يمتاز بأنه عالم معقول وثابت كامل، وفيه توجد النماذج العليا لكل مجوداته ، كما انه خاص بالموهوبين ولا تدركه الأبصار وفيه يعاين الفيلسوف سلسلة من المثل كالخير والجمال المطلقين والدائرة الكاملة ،لهذا كانت الحقيقة المطلقة مجسدة في الفكر الذي ينتقل بنا من الأدنى إلى الأعلى أو من الأعلى أو من المحسوس إلى المجرد ، وقد جاء أفلاطون بنظرية المثل لان المحسوسات تختلف من صفاتها ولذلك فليس هناك صفة ذاتية مشتركة ، فالهندسة مثلا ليست هي عالم مسح الأراضي ولكن هي النظر في الأشكال ذاتها ، وكذلك عالم الحساب ليس هو علم الجزيئات كما يفعل التاجر بل هو عالم الأعداد هادفا إلى الوصول إلى درجة العقلانية التامة وعليه أصبحت المثل عند أفلاطون تحدد المعيار الذي يجب أن يسير عليه الفرد، هي عامة ومشتركة لدى الجميع  ، معقولة لا حسية ، تطبق في كل زمان ومكان لأنها لا تتأثر بالظروف والتجربة ن وهذا دليل على أن الحقيقة لا توجد في الواقع المحسوس والمتغير.

وفي السياق نفسه نجد أرسطو يؤكد على  صفة المطلقية بالنسبة للحقيقة، إلا انه يختلف مع أستاذه أفلاطون في الاعتقاد بوجود حقيقة ثابتة لهذا العالم، فكل شيء فيه عبارة عن جوهر –ماهية* وصورة ، والجوهر هو الحقيقة الثابتة التي يجب على المفكر أن يصل إليها وان يدركها في شكلها المطلق ، لأنه حقيقة لا حقيقة فوقها، فلكي يوجد الشيء لابد له من جوهر كنقطة بداية، هذا الشيء الجزئي يخضع إلى معرفة استقرائية ، أي معرفة بالجزيئات ، والمعرفة الحسية لا تخطئ الحكم الصادق مادام البرهان العلمي يعتمد على الشيء الظاهر وكان هذا الأساس تساءل كيف تمت هندسة الكون الواسع بأشكال لا نهاية لها وهو لا يقبل أن تكون الحركة بلا بداية فلا بد أن يكون الحركة مصدر وهو الله المحرك الأكبر فهو لا يتحرك وهو كائن غير مرئي لا يتغير انه السبب النهائي للطبيعة والقوة الدافعة للأشياء وأهدافها ولهذا كانت الحقيقة عند "أرسطو" تكمن في المحرك الذي لا يتحرك ويقصد بالمحرك –الله- الذي يمثل جوهر الوجود.

هذا بالنسبة للفطنة الكلاسيكية لمشكلة الحقيقة أما إذا نظرنا إلى صفة المطلقية للحقيقة في الفلسفة الحديثة فإننا نجد "ديكارت" لا يعترف بالمعرفة الحسية وجعل من الشك الطريق الأساسي لبلوغ الحقيقة ووسيلة في ذلك هي العقل  نفسه فالحقيقة عنده هي مالا ينتهي إليه الشك وعلى هذا الأساس لا يكون الحقيقي إلا ما هو واضح وبديهي ومتميز أو بتعبير أخر أن معايير الحقيقة تتخلص في البداهة والوضوح ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم الكوجيتو الديكارتي أنا أفكر إذن أنا موجود فخاصة التفكير هي حقيقة الوجود البشري حسب ديكارت فإذا توقف الإنسان عن التفكير توقف عن الوجود لهذا نجده يؤكد على الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقة  وهو الوضوح الذي يرتفع فوق كل شيء ويتجل هذا في البديهيات الرياضية التي تبدو ضرورية و واضحة بذاتها كقولنا اكبر من الجزء وهو القائل أن الأشياء التي نتصورها تصورا بالغ الوضوح والتمييز هي صحيحة كلها.

أما بالنسبة "لسيتوزا" فهو يرى انه ليس هناك معيار الحسية خارج عن الحقيقة فهل يمكن أن يكون هناك شيئا كثر وضوحا و يقينا من الفكرة الصادقة يصلح ان يكون معيارا   للحقيقة" فكما النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذب وفي السياق نفسه نجد المتصوفة يعتبرون الحقيقة المطلقة هي الحقيقة المصوفة باعتبارها شعور يستولى على المتصوف  عند بلوغ الحقيقة الربانية المطلقة عن طريق الحدس ويصل المتصوف إلى هذه الحقيقة بعدة طرق فقد تكون من خلال الاتحاد بالله عن طريق الفناء كما يؤكد على ذلك "أبي يزيد البسطامي" أو عن طريق حلول الله في مخلوقاته فيما يذهب إليه"الحلاج" أما الطريق الثالث فيجسد التقاء وجود الخالق و وجود المخلوق إثباتا لوحدة الوجود كما يقول " ابن عربي " ولا يتم له ذلك إلا بمجاهدة النفس بدلا من البحث عن الحقيقة الإلهية-الربانية وهذا من خلال الكشف الذي يقابل البرهان العقلي عند الفلاسفة والمتكلمين. ويقول "أبو حامد الغزالي" (الكشف هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغبية والأمور الحقيقية وجودا وشهودا الأول طريقة الإلهام وهو العلم الذي يقع قي القلب بطريق الفيض من غير استدلال ولا نظر بل بنور يقذفه الله في الصدر أما الأمور الحقيقية فطريقها الحدس  حيث يمكن للشخص المؤيد النفس بشدة الصفاء وشدة الاتصال بالمبادئ الحلقية إلى أن تحصل له المعارف حدسا وبهذا أصبح المتصوف يصل إلى مرتبة الاتحاد بالله حيث يكون الله والمخلوقات حقيقة واحدة هي عله لنفسها ومعلولة لنفسها أما السعادة عند الفلاسفة فتتحقق بمجرد اتصال الحكم بالله دون اندماجه في الذات الإلهية.

وفي السياق نفسه وبعيدا عن النظرة الصوفية نجد ابن رشد فيلسوف قرطبة يرى أن الحقيقة الدينية واحدة ولكن طرق تبليغها متعددة بتعدد طبائع الناس ومستويات إدراكهم العقلي. وفي هذا الإطار يتحدث ابن رشد عن ثلاثة شرائح من الناس هم: أهل البرهان، وأهل الجدل ، وأهل الخطابة، وإذا كان مصدر الحقيقة الدينية هو الوحي فهي حقيقة واحدة و مطلقة  ولا يمكن الشك فيها من قبل الإنسان المؤمن،والشيء نفسه فيما يخص الحقيقة الفلسفية التي تتأسس على البرهان العقلي الذي إذا التزمنا بقواعده فإننا حتما نصل إلى نتائج.

انطلاقا من هذا رأى ابن رشد أن الحقيقة الفلسفية لا تتعارض مع الحقيقة الدينية لان كليهما مطلقتان ومتوفقتان ،لان الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له.

النقد1:

من هذا أصبحت الحقيقة حسب ما أكد عليه العقليون وحب النظرة  الصوفية تتصف بالمطلقة .لكن بالنظر  على هذا التصور  من زاوية تطور التفكير وخاصة التفكير العلمي، فإننا نجد أن النسبية خاصة أساسية  من خصائصه ومن الأزمات التي عاشتها المعارف المتوصل إليها من طرف العلماء قديما وحديثا وتغيرها إلا دليل على ذلك ، ومن جهة أخرى بماذا نفسر تحول النظام الثابت الذي تخضع له الظاهر الطبيعية ، حيث أصبح في العصر الحديث والمقام ينطبق على بعض الظواهر فقط لهذا فان الحقيقة نسبية وليست بإمكان الإنسان أن يعتنق المطلق باستعدادات  محدودة ، ولذلك  فان الإيمان بوجود حقيقة مطلقة يجعلنا نلجأ إلى معيار ذاتي  باعتبارها مرتبطة بالإدراك العقلي ، وهذا الأخير لا يخلو من الاعتبارات الشخصية ، حيث تتدخل الميول والرغبات والآراء الشخصية لكي تجعل الفكرة صادقة ، بدليل أن قضية حركة دوران الأرض حول الشمس التي هي قضية واضحة بالنسبة ألينا اليوم ، في حين أن ثباتها كانت فكرة  صحيحة لذا خصوم "غليلي" ، ولكنها فكرة خاطئة ، لهذا فالشعور بالبداهة والوضوح والإدراك العقلي لمختلف الموضوعات لا يمكن أن يكون برهانا مطلقا على وجود  حقيقة مطلقة.

الموقف2:

وقد كان لانتشار مختلف النظريات العلمية والفلسفية في مختلف المجالات المعرفية تأثيرا في جعل الحقائق العلمية تقريبية خاصة مع ظهور النسبية العددية للفيزيائي "اينشتاين" ومن ثمة تبدد الرأي الذي أكد على وجود  حقيقة مطلقة ،فاتحا المجال لظهور رأي مخالف يحكم على الحقيقة بالنسبية وبذلك نجاوز اليقين و المطلقية . ومن دعاة هذا الاتجاه نجد أنصار العلوم التجريبية .المعرفة العلمية الدين يؤكدون على نسبية الحقيقة فلا وجود لشيء ثابت حسب نظرية الفيزيائي "هايزلبيرغ "في علاقات الارتياب التي تؤكد استحالة تحديد موقع الإلكترون وسرعته في أن واحد ، والتي طرحت مشكلة الحتمية في العلم ، وبما أن التوقع أصبح مستحيلا في الفيزياء الدرية فالتصور الكلاسيكي للحتمية ينهار تماما ليحل محله الاحتمال.

والصورة نفسها التي ميزت مجال الفيزياء تنطبق على الرياضيات باعتبار أنها كانت تجسد مثالا لليقين والدقة و المطلقية ،حيث نجد هذا اليقين في عصرنا أصبح نسبي.

ومع ظهور الهندسة اللااقليدية مع لوباتشوفسكي1793-1856 وريحان الألماني 1826-1866 فكانت المسلمة  التي وضعها إقليدس والتي أثارت الكثير من الشكوك تلك المعروفة بمسلمة التوازي وتصاغ عادة كما يلي : من نقطة خارج  مستقيم يمكن رسم مستقيم  واحد فقط موازي للأول ،وعلى أساس هذه المسلمة يبرهن إقليدس على عدة قضايا في مجال هندسة ومنها على الخصوص القضية القائلة: أن مجموع زوايا المثلث تساوي180 درجة، فكانت محاولة لوباتشوفسكي –الجريئة قائمة أساسا على البرهان بالخلق حيث حدد مسلمات إقليدس  التي تجسد عكس القضية لإثبات نقيض القضية فتوصل الى انه من نظريات هندسية من دون ان يقع في التناقض ،و نفس الشيء مع ريمان الذي افترض انه  من نقطة خارج مستقيم لا يمر أي موازي له، وهذا ما يؤكد ان  الحقيقة في الرياضيات المجردة لم تبق علم دقيقة ومطلق وإنما أصبح يتميز بالنسبية.

في بداية القرن 20م استغل أصحاب النظرة البرغماتية فكرة النسبية العلمية لبناء مذهبهم متخذين المنفعة مقياسا للحقيقة،وأصبحت حقيقة الشيء تكمن في كل ما هو نفعي عملي ومفيد في تغيير الواقع والفكر معا في هذا يقول وليام جيكس:"يقوم الصدق لكل بساطة فما هو مفيد لفكرنا وصائب فيما هو مفيد لسلوكنا"هكذا فان الذاتية متناقضة فإذا كنت تعتقد أن أراء غيرك صادقة نسبيا فكانت ترى رأيك صادقا صدقا مطلقا مثلما اعتقدت أن الأرض كروية واعتقد غيرك أنها مسطحة يقول جيمس :"إن الناس يعتقدون في القرون الماضية أن الأرض مسطحة ونحن معتقد اليوم أنها مستديرة ، إذن الحقيقة تغيرت وأنت ربما تقتنع بهذا القول ولا يقتنع غيرك" وبهذا فالحقيقة عندك جيمس ليست غاية في ذاتها وإنما هي مجرد وسيلة لاشياع حاجيات حيوية أخرى، كما أن استمرار تاريخ الفكر البشري يؤكد على أن الحقيقة لم تستطع أن تتواجد في معزل عن الحقيقة  ونقصد بذلك نقائض الحقيقة وأضدادها ، فلكي يكون العلك مطلقا -نهائيا-  لا بد أن يكون تاما إلا أن هذا لن يتحقق .يقول برنارد "يجب أن يكون حقيه كقنعة بأننا نملك العلاقات الضرورية الموجودة بين الأشياء إلا بوجه تقريبي كثيرا أو قليلا ، وان النظريات التي نمتلكها هي ابعد أن تكون حقيقة مطلقة"أنها تمثل حقائق جزئية مؤقتة وهذا يخالف الموقف الفلسفي المثالي الذي يعتقد الوصول إلى الحقيقة المطلقة، وفي هذا الصدد يقول بيرس: أن تصوراتنا لموضوع ما هو تصورنا لما قد ينتج  عن هذا الموضوع أثار علمية لا أكثر ومعنى هذا القول : إن المعارف الصحيحة إنما تقاس بالنتائج المترتبة عنها على ارض الواقع.

وفي الفلسفة الوجودية نجد الفرنسي جون بول سارتر الذي يرى أن مجال الحقيقة الأول هو الإنسان المشخص ف وجوده الحسي وليس الوجود المجرد كما في الفلسفات القديمة ، وحقيقة الإنسان تكمن في انجاز ماهيته لأنه في بداية أمره لا يملك ماهية فهو محكوم عليه بان يختار مصيره ، وقد عبر سارتر عن فكرته هذه بقوله : سأكون عندما لا أكون أي سأكون ما سأكون قد أنجزته إلى حلول الحلول" ويقول أيضا : فانا افرغ ذاتي وكياني بأكملها في العمل وأنا ما افعله".

إذن الحقيقة حقائق وان المطلقية منها مقيدة بالمذهب والتصورات.

نقد2:

لكن بالنظر إلى موضوع الأحكام والقوانين العلمية نجده شيئا واحدا، وما تغير سوى أراء ،لهذا لا يصح القول بنسيبتها مثلما يعتقد  هؤلاء ، بل الحقيقة مطلقة  لان الأرض مثلا لا يمكن أن تكون مسطحة وكروية في أن واحد من حيث الشكل ولا وقعنا في التناقض، كما أن المعارف السابقة ليست كلها خاطئة وتاريخ العلم يؤكد على أن العلماء توصلوا إلى معارف جديدة انطلاقا مما هو سائد سابقا لان العلم ما هو إلا حلقات متصلة والعالم لا يمكنه أن ينطلق العدم لذا فالحقيقة  صادقة في ذاتها متغيرة بالنسبة إلينا.

ومن جهة لا يمكن أن ننكر دور المنفعة في حياتنا العلمية، ولكن ذلك لا يؤهلها أن تكون مقياسا للحقيقة ،لان الحقيقة يجب أن تتميز بالشمولية والموضوعية ، ومنه فالفكر في البرغماتية تكون صحيحة لو انتصرت على الجانب العلمي التجريبي، فالحقيقة أسمى من أن تقتصر في المنفعة فالمنفعة قد تكون مقياسا لما هو مادي، ولكن لا يمكن أن تكون مقياسا عاما توزن به كل أفكارنا وقيمنا ، وانه مطلق يحط من قيمة الإنسان ، لان المنفعة كهدف ننجر عنها تجاوزات لا أخلاقية خطيرة .

أما الفلسفة الوجودية فقد حصرت الحقيقة في الإنسان وتجاهلت المواضيع الخارجية التي تكون مصدرا هاما لها، فالإنسان قد يعني نفسه ويدرك حقيقتها ، والوقت نفسه فهو يتوق إلى إدراك العالم الخارجي الذي ينطوي على الكثير من الظواهر والأشياء التي تستحق البحث والتنقيب ، ومن جهة أخرى فان الوجودية تضرب القيم الأخلاقية عرض الحائط ، لأنها تقف في وجه الإنسان وتحول دون تحقيق ذاته –ماهيته- وهدا أمر غير مسلم به على الإطلاق

التركيب:

ومن خلال ما تم ذكره نجد هناك من يعتبر الحقيقة مطلقة والبعض عكس ذلك ، لكن الواقع يبين أن الحقيقة العلمية في إطارها الخاص تصدق على كل الظواهر وتفرض نفسها على كل عقل وبهذا المعنى تكون مطلقة فحين نقول أن الماء يتكون  من درتين من الهيدروجين ودرة من الأكسجين لا نعني بذلك كمية الماء التي أجريت عليها الاختبار بل نعني أية كمية من الماء على الإطلاق  لا توجد هذه الحقيقة في عقل الإنسان الذي أجريت أمامه الاختبار بل في كل عقل بوجه عام،ولكننا قد نكتشف في يوم ما أملاحا في الماء بنسب ضئيلة فيصبح الحكم السابق نسبيا  يصدق في إطاره الخاص، وهذا الإطار قد يكون هو المجال الذي تصدق فيه الحقيقة العلمية كما هو الحال بالنسبة لأوزان الأجسام التي يظل مقدارها صحيح في إطار الجاذبية ولكنها تختلف إذا نقلت إلى المجال الفضاء الخارجي لهذا فان الحقيقة المطلقة كثيرا ما يعبر عنها بالنسبية

الرأي الشخصي:

لكن الرأي الصحيح هو الذي يرى أن المعرفة الإنسانية نسبية بين الذات والموضوع المعروف وهي نسبية تجعل كلا منهما مشروطا بالأخر ، وهذا معناه أن العقل أن هو حاول إدراك المطلق فانه لا يصنع ذلك إلا بالنسبة للمقيد ، كما انه لا يتصور الثبات إلا في حالة وجود التغير ، وهذا يعني احتمال احد الأمرين:

إما أن تكون الحقيقة مطلقة ولا أمل في إدراكها من طرف مدرك ، وأما ا يدركها مدرك فتنتقل من المطلقية إلى النسبية ، يقول ج-س :" لا نعرف الشيء إلا من خلال جهة ما هو متميز عن غيره من الأشياء و أننا لا نعرف الطبيعة إلا بواسطة أحوالنا الشعورية ، ثم إن كل معرفة تابعة للظواهر وليست هناك معرفة في ذاتها أي مستقلة عم الموضوع المعروف"

الخاتمة:

وعليه فإننا نصل إلى أن الحقيقة متغيرة حقا نتيجة تعدد مجالات البحث ، لكن تغيرها يأخذ مصطلح التراكمية أي إضافة الجديد للقديم ، ومن ثمة فان نطاق المعرفة التي تنبعث من العلم يتسع باستمرار ومن هنا يكون انتقال العلم إلى مواقع جديدة على الدوام علامة من علامات النقص فيه، بل أن النقص يكمن في تلك النظرة القاصرة التي تتصور أن العلم الثابت والمكتمل ، وفي هذا تأكيد على أن الحقائق كلها نسبية وهي متعددة تابعة لمؤثرات بشرية وفكرية ورغم ذلك فان الإنسان يطمح إلى بلوغ الحقيقة الأولى مهما كان مفهوم الثبات

 

الموقف الأول:

يرى فريق من الفلاسفة أن الحقيقة المطلقة ممكنة طالما هذا الإنسان يملك عقلا مفكرا. وهنا نجد أفلاطون قديما يميز بين عالميين ، عالم المحسوسات وعالم المثل، فالأول يمثل العالم المادي المحسوس المتغير، وموجداته هيا بمثابة ظلال وأشباح لعالم المثل ، وهذا الأخير يمتاز بأنه عالم معقول وثابت كامل، وفيه توجد النماذج العليا لكل مجوداته ، كما انه خاص بالموهوبين ولا تدركه الأبصار وفيه يعاين الفيلسوف سلسلة من المثل كالخير والجمال المطلقين والدائرة الكاملة ،لهذا كانت الحقيقة المطلقة مجسدة في الفكر الذي ينتقل بنا من الأدنى إلى الأعلى أو من الأعلى أو من المحسوس إلى المجرد ، وقد جاء أفلاطون بنظرية المثل لان المحسوسات تختلف من صفاتها ولذلك فليس هناك صفة ذاتية مشتركة ، فالهندسة مثلا ليست هي عالم مسح الأراضي ولكن هي النظر في الأشكال ذاتها ، وكذلك عالم الحساب ليس هو علم الجزيئات كما يفعل التاجر بل هو عالم الأعداد هادفا إلى الوصول إلى درجة العقلانية التامة وعليه أصبحت المثل عند أفلاطون تحدد المعيار الذي يجب أن يسير عليه الفرد، هي عامة ومشتركة لدى الجميع  ، معقولة لا حسية ، تطبق في كل زمان ومكان لأنها لا تتأثر بالظروف والتجربة ن وهذا دليل على أن الحقيقة لا توجد في الواقع المحسوس والمتغير.

وفي السياق نفسه نجد أرسطو يؤكد على  صفة المطلقية بالنسبة للحقيقة، إلا انه يختلف مع أستاذه أفلاطون في الاعتقاد بوجود حقيقة ثابتة لهذا العالم، فكل شيء فيه عبارة عن جوهر –ماهية* وصورة ، والجوهر هو الحقيقة الثابتة التي يجب على المفكر أن يصل إليها وان يدركها في شكلها المطلق ، لأنه حقيقة لا حقيقة فوقها، فلكي يوجد الشيء لابد له من جوهر كنقطة بداية، هذا الشيء الجزئي يخضع إلى معرفة استقرائية ، أي معرفة بالجزيئات ، والمعرفة الحسية لا تخطئ الحكم الصادق مادام البرهان العلمي يعتمد على الشيء الظاهر وكان هذا الأساس تساءل كيف تمت هندسة الكون الواسع بأشكال لا نهاية لها وهو لا يقبل أن تكون الحركة بلا بداية فلا بد أن يكون الحركة مصدر وهو الله المحرك الأكبر فهو لا يتحرك وهو كائن غير مرئي لا يتغير انه السبب النهائي للطبيعة والقوة الدافعة للأشياء وأهدافها ولهذا كانت الحقيقة عند "أرسطو" تكمن في المحرك الذي لا يتحرك ويقصد بالمحرك –الله- الذي يمثل جوهر الوجود.

هذا بالنسبة للفطنة الكلاسيكية لمشكلة الحقيقة أما إذا نظرنا إلى صفة المطلقية للحقيقة في الفلسفة الحديثة فإننا نجد "ديكارت" لا يعترف بالمعرفة الحسية وجعل من الشك الطريق الأساسي لبلوغ الحقيقة ووسيلة في ذلك هي العقل  نفسه فالحقيقة عنده هي مالا ينتهي إليه الشك وعلى هذا الأساس لا يكون الحقيقي إلا ما هو واضح وبديهي ومتميز أو بتعبير أخر أن معايير الحقيقة تتخلص في البداهة والوضوح ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم الكوجيتو الديكارتي أنا أفكر إذن أنا موجود فخاصة التفكير هي حقيقة الوجود البشري حسب ديكارت فإذا توقف الإنسان عن التفكير توقف عن الوجود لهذا نجده يؤكد على الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقة  وهو الوضوح الذي يرتفع فوق كل شيء ويتجل هذا في البديهيات الرياضية التي تبدو ضرورية و واضحة بذاتها كقولنا اكبر من الجزء وهو القائل أن الأشياء التي نتصورها تصورا بالغ الوضوح والتمييز هي صحيحة كلها.

أما بالنسبة "لسيتوزا" فهو يرى انه ليس هناك معيار الحسية خارج عن الحقيقة فهل يمكن أن يكون هناك شيئا كثر وضوحا و يقينا من الفكرة الصادقة يصلح ان يكون معيارا   للحقيقة" فكما النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذب وفي السياق نفسه نجد المتصوفة يعتبرون الحقيقة المطلقة هي الحقيقة المصوفة باعتبارها شعور يستولى على المتصوف  عند بلوغ الحقيقة الربانية المطلقة عن طريق الحدس ويصل المتصوف إلى هذه الحقيقة بعدة طرق فقد تكون من خلال الاتحاد بالله عن طريق الفناء كما يؤكد على ذلك "أبي يزيد البسطامي" أو عن طريق حلول الله في مخلوقاته فيما يذهب إليه"الحلاج" أما الطريق الثالث فيجسد التقاء وجود الخالق و وجود المخلوق إثباتا لوحدة الوجود كما يقول " ابن عربي " ولا يتم له ذلك إلا بمجاهدة النفس بدلا من البحث عن الحقيقة الإلهية-الربانية وهذا من خلال الكشف الذي يقابل البرهان العقلي عند الفلاسفة والمتكلمين. ويقول "أبو حامد الغزالي" (الكشف هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغبية والأمور الحقيقية وجودا وشهودا الأول طريقة الإلهام وهو العلم الذي يقع قي القلب بطريق الفيض من غير استدلال ولا نظر بل بنور يقذفه الله في الصدر أما الأمور الحقيقية فطريقها الحدس  حيث يمكن للشخص المؤيد النفس بشدة الصفاء وشدة الاتصال بالمبادئ الحلقية إلى أن تحصل له المعارف حدسا وبهذا أصبح المتصوف يصل إلى مرتبة الاتحاد بالله حيث يكون الله والمخلوقات حقيقة واحدة هي عله لنفسها ومعلولة لنفسها أما السعادة عند الفلاسفة فتتحقق بمجرد اتصال الحكم بالله دون اندماجه في الذات الإلهية.

وفي السياق نفسه وبعيدا عن النظرة الصوفية نجد ابن رشد فيلسوف قرطبة يرى أن الحقيقة الدينية واحدة ولكن طرق تبليغها متعددة بتعدد طبائع الناس ومستويات إدراكهم العقلي. وفي هذا الإطار يتحدث ابن رشد عن ثلاثة شرائح من الناس هم: أهل البرهان، وأهل الجدل ، وأهل الخطابة، وإذا كان مصدر الحقيقة الدينية هو الوحي فهي حقيقة واحدة و مطلقة  ولا يمكن الشك فيها من قبل الإنسان المؤمن،والشيء نفسه فيما يخص الحقيقة الفلسفية التي تتأسس على البرهان العقلي الذي إذا التزمنا بقواعده فإننا حتما نصل إلى نتائج.

انطلاقا من هذا رأى ابن رشد أن الحقيقة الفلسفية لا تتعارض مع الحقيقة الدينية لان كليهما مطلقتان ومتوفقتان ،لان الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له.

النقد1:

من هذا أصبحت الحقيقة حسب ما أكد عليه العقليون وحب النظرة  الصوفية تتصف بالمطلقة .لكن بالنظر  على هذا التصور  من زاوية تطور التفكير وخاصة التفكير العلمي، فإننا نجد أن النسبية خاصة أساسية  من خصائصه ومن الأزمات التي عاشتها المعارف المتوصل إليها من طرف العلماء قديما وحديثا وتغيرها إلا دليل على ذلك ، ومن جهة أخرى بماذا نفسر تحول النظام الثابت الذي تخضع له الظاهر الطبيعية ، حيث أصبح في العصر الحديث والمقام ينطبق على بعض الظواهر فقط لهذا فان الحقيقة نسبية وليست بإمكان الإنسان أن يعتنق المطلق باستعدادات  محدودة ، ولذلك  فان الإيمان بوجود حقيقة مطلقة يجعلنا نلجأ إلى معيار ذاتي  باعتبارها مرتبطة بالإدراك العقلي ، وهذا الأخير لا يخلو من الاعتبارات الشخصية ، حيث تتدخل الميول والرغبات والآراء الشخصية لكي تجعل الفكرة صادقة ، بدليل أن قضية حركة دوران الأرض حول الشمس التي هي قضية واضحة بالنسبة ألينا اليوم ، في حين أن ثباتها كانت فكرة  صحيحة لذا خصوم "غليلي" ، ولكنها فكرة خاطئة ، لهذا فالشعور بالبداهة والوضوح والإدراك العقلي لمختلف الموضوعات لا يمكن أن يكون برهانا مطلقا على وجود  حقيقة مطلقة.

الموقف2:

وقد كان لانتشار مختلف النظريات العلمية والفلسفية في مختلف المجالات المعرفية تأثيرا في جعل الحقائق العلمية تقريبية خاصة مع ظهور النسبية العددية للفيزيائي "اينشتاين" ومن ثمة تبدد الرأي الذي أكد على وجود  حقيقة مطلقة ،فاتحا المجال لظهور رأي مخالف يحكم على الحقيقة بالنسبية وبذلك نجاوز اليقين و المطلقية . ومن دعاة هذا الاتجاه نجد أنصار العلوم التجريبية .المعرفة العلمية الدين يؤكدون على نسبية الحقيقة فلا وجود لشيء ثابت حسب نظرية الفيزيائي "هايزلبيرغ "في علاقات الارتياب التي تؤكد استحالة تحديد موقع الإلكترون وسرعته في أن واحد ، والتي طرحت مشكلة الحتمية في العلم ، وبما أن التوقع أصبح مستحيلا في الفيزياء الدرية فالتصور الكلاسيكي للحتمية ينهار تماما ليحل محله الاحتمال.

والصورة نفسها التي ميزت مجال الفيزياء تنطبق على الرياضيات باعتبار أنها كانت تجسد مثالا لليقين والدقة و المطلقية ،حيث نجد هذا اليقين في عصرنا أصبح نسبي.

ومع ظهور الهندسة اللااقليدية مع لوباتشوفسكي1793-1856 وريحان الألماني 1826-1866 فكانت المسلمة  التي وضعها إقليدس والتي أثارت الكثير من الشكوك تلك المعروفة بمسلمة التوازي وتصاغ عادة كما يلي : من نقطة خارج  مستقيم يمكن رسم مستقيم  واحد فقط موازي للأول ،وعلى أساس هذه المسلمة يبرهن إقليدس على عدة قضايا في مجال هندسة ومنها على الخصوص القضية القائلة: أن مجموع زوايا المثلث تساوي180 درجة، فكانت محاولة لوباتشوفسكي –الجريئة قائمة أساسا على البرهان بالخلق حيث حدد مسلمات إقليدس  التي تجسد عكس القضية لإثبات نقيض القضية فتوصل الى انه من نظريات هندسية من دون ان يقع في التناقض ،و نفس الشيء مع ريمان الذي افترض انه  من نقطة خارج مستقيم لا يمر أي موازي له، وهذا ما يؤكد ان  الحقيقة في الرياضيات المجردة لم تبق علم دقيقة ومطلق وإنما أصبح يتميز بالنسبية.

في بداية القرن 20م استغل أصحاب النظرة البرغماتية فكرة النسبية العلمية لبناء مذهبهم متخذين المنفعة مقياسا للحقيقة،وأصبحت حقيقة الشيء تكمن في كل ما هو نفعي عملي ومفيد في تغيير الواقع والفكر معا في هذا يقول وليام جيكس:"يقوم الصدق لكل بساطة فما هو مفيد لفكرنا وصائب فيما هو مفيد لسلوكنا"هكذا فان الذاتية متناقضة فإذا كنت تعتقد أن أراء غيرك صادقة نسبيا فكانت ترى رأيك صادقا صدقا مطلقا مثلما اعتقدت أن الأرض كروية واعتقد غيرك أنها مسطحة يقول جيمس :"إن الناس يعتقدون في القرون الماضية أن الأرض مسطحة ونحن معتقد اليوم أنها مستديرة ، إذن الحقيقة تغيرت وأنت ربما تقتنع بهذا القول ولا يقتنع غيرك" وبهذا فالحقيقة عندك جيمس ليست غاية في ذاتها وإنما هي مجرد وسيلة لاشياع حاجيات حيوية أخرى، كما أن استمرار تاريخ الفكر البشري يؤكد على أن الحقيقة لم تستطع أن تتواجد في معزل عن الحقيقة  ونقصد بذلك نقائض الحقيقة وأضدادها ، فلكي يكون العلك مطلقا -نهائيا-  لا بد أن يكون تاما إلا أن هذا لن يتحقق .يقول برنارد "يجب أن يكون حقيه كقنعة بأننا نملك العلاقات الضرورية الموجودة بين الأشياء إلا بوجه تقريبي كثيرا أو قليلا ، وان النظريات التي نمتلكها هي ابعد أن تكون حقيقة مطلقة"أنها تمثل حقائق جزئية مؤقتة وهذا يخالف الموقف الفلسفي المثالي الذي يعتقد الوصول إلى الحقيقة المطلقة، وفي هذا الصدد يقول بيرس: أن تصوراتنا لموضوع ما هو تصورنا لما قد ينتج  عن هذا الموضوع أثار علمية لا أكثر ومعنى هذا القول : إن المعارف الصحيحة إنما تقاس بالنتائج المترتبة عنها على ارض الواقع.

وفي الفلسفة الوجودية نجد الفرنسي جون بول سارتر الذي يرى أن مجال الحقيقة الأول هو الإنسان المشخص ف وجوده الحسي وليس الوجود المجرد كما في الفلسفات القديمة ، وحقيقة الإنسان تكمن في انجاز ماهيته لأنه في بداية أمره لا يملك ماهية فهو محكوم عليه بان يختار مصيره ، وقد عبر سارتر عن فكرته هذه بقوله : سأكون عندما لا أكون أي سأكون ما سأكون قد أنجزته إلى حلول الحلول" ويقول أيضا : فانا افرغ ذاتي وكياني بأكملها في العمل وأنا ما افعله".

إذن الحقيقة حقائق وان المطلقية منها مقيدة بالمذهب والتصورات.

نقد2:

لكن بالنظر إلى موضوع الأحكام والقوانين العلمية نجده شيئا واحدا، وما تغير سوى أراء ،لهذا لا يصح القول بنسيبتها مثلما يعتقد  هؤلاء ، بل الحقيقة مطلقة  لان الأرض مثلا لا يمكن أن تكون مسطحة وكروية في أن واحد من حيث الشكل ولا وقعنا في التناقض، كما أن المعارف السابقة ليست كلها خاطئة وتاريخ العلم يؤكد على أن العلماء توصلوا إلى معارف جديدة انطلاقا مما هو سائد سابقا لان العلم ما هو إلا حلقات متصلة والعالم لا يمكنه أن ينطلق العدم لذا فالحقيقة  صادقة في ذاتها متغيرة بالنسبة إلينا.

ومن جهة لا يمكن أن ننكر دور المنفعة في حياتنا العلمية، ولكن ذلك لا يؤهلها أن تكون مقياسا للحقيقة ،لان الحقيقة يجب أن تتميز بالشمولية والموضوعية ، ومنه فالفكر في البرغماتية تكون صحيحة لو انتصرت على الجانب العلمي التجريبي، فالحقيقة أسمى من أن تقتصر في المنفعة فالمنفعة قد تكون مقياسا لما هو مادي، ولكن لا يمكن أن تكون مقياسا عاما توزن به كل أفكارنا وقيمنا ، وانه مطلق يحط من قيمة الإنسان ، لان المنفعة كهدف ننجر عنها تجاوزات لا أخلاقية خطيرة .

أما الفلسفة الوجودية فقد حصرت الحقيقة في الإنسان وتجاهلت المواضيع الخارجية التي تكون مصدرا هاما لها، فالإنسان قد يعني نفسه ويدرك حقيقتها ، والوقت نفسه فهو يتوق إلى إدراك العالم الخارجي الذي ينطوي على الكثير من الظواهر والأشياء التي تستحق البحث والتنقيب ، ومن جهة أخرى فان الوجودية تضرب القيم الأخلاقية عرض الحائط ، لأنها تقف في وجه الإنسان وتحول دون تحقيق ذاته –ماهيته- وهدا أمر غير مسلم به على الإطلاق

التركيب:

ومن خلال ما تم ذكره نجد هناك من يعتبر الحقيقة مطلقة والبعض عكس ذلك ، لكن الواقع يبين أن الحقيقة العلمية في إطارها الخاص تصدق على كل الظواهر وتفرض نفسها على كل عقل وبهذا المعنى تكون مطلقة فحين نقول أن الماء يتكون  من درتين من الهيدروجين ودرة من الأكسجين لا نعني بذلك كمية الماء التي أجريت عليها الاختبار بل نعني أية كمية من الماء على الإطلاق  لا توجد هذه الحقيقة في عقل الإنسان الذي أجريت أمامه الاختبار بل في كل عقل بوجه عام،ولكننا قد نكتشف في يوم ما أملاحا في الماء بنسب ضئيلة فيصبح الحكم السابق نسبيا  يصدق في إطاره الخاص، وهذا الإطار قد يكون هو المجال الذي تصدق فيه الحقيقة العلمية كما هو الحال بالنسبة لأوزان الأجسام التي يظل مقدارها صحيح في إطار الجاذبية ولكنها تختلف إذا نقلت إلى المجال الفضاء الخارجي لهذا فان الحقيقة المطلقة كثيرا ما يعبر عنها بالنسبية

الرأي الشخصي:

لكن الرأي الصحيح هو الذي يرى أن المعرفة الإنسانية نسبية بين الذات والموضوع المعروف وهي نسبية تجعل كلا منهما مشروطا بالأخر ، وهذا معناه أن العقل أن هو حاول إدراك المطلق فانه لا يصنع ذلك إلا بالنسبة للمقيد ، كما انه لا يتصور الثبات إلا في حالة وجود التغير ، وهذا يعني احتمال احد الأمرين:

إما أن تكون الحقيقة مطلقة ولا أمل في إدراكها من طرف مدرك ، وأما ا يدركها مدرك فتنتقل من المطلقية إلى النسبية ، يقول ج-س :" لا نعرف الشيء إلا من خلال جهة ما هو متميز عن غيره من الأشياء و أننا لا نعرف الطبيعة إلا بواسطة أحوالنا الشعورية ، ثم إن كل معرفة تابعة للظواهر وليست هناك معرفة في ذاتها أي مستقلة عم الموضوع المعروف"

الخاتمة:

وعليه فإننا نصل إلى أن الحقيقة متغيرة حقا نتيجة تعدد مجالات البحث ، لكن تغيرها يأخذ مصطلح التراكمية أي إضافة الجديد للقديم ، ومن ثمة فان نطاق المعرفة التي تنبعث من العلم يتسع باستمرار ومن هنا يكون انتقال العلم إلى مواقع جديدة على الدوام علامة من علامات النقص فيه، بل أن النقص يكمن في تلك النظرة القاصرة التي تتصور أن العلم الثابت والمكتمل ، وفي هذا تأكيد على أن الحقائق كلها نسبية وهي متعددة تابعة لمؤثرات بشرية وفكرية ورغم ذلك فان الإنسان يطمح إلى بلوغ الحقيقة الأولى مهما كان مفهوم الثبات

نقد2:

لكن بالنظر إلى موضوع الأحكام والقوانين العلمية نجده شيئا واحدا، وما تغير سوى أراء ،لهذا لا يصح القول بنسيبتها مثلما يعتقد  هؤلاء ، بل الحقيقة مطلقة  لان الأرض مثلا لا يمكن أن تكون مسطحة وكروية في أن واحد من حيث الشكل ولا وقعنا في التناقض، كما أن المعارف السابقة ليست كلها خاطئة وتاريخ العلم يؤكد على أن العلماء توصلوا إلى معارف جديدة انطلاقا مما هو سائد سابقا لان العلم ما هو إلا حلقات متصلة والعالم لا يمكنه أن ينطلق العدم لذا فالحقيقة  صادقة في ذاتها متغيرة بالنسبة إلينا.

ومن جهة لا يمكن أن ننكر دور المنفعة في حياتنا العلمية، ولكن ذلك لا يؤهلها أن تكون مقياسا للحقيقة ،لان الحقيقة يجب أن تتميز بالشمولية والموضوعية ، ومنه فالفكر في البرغماتية تكون صحيحة لو انتصرت على الجانب العلمي التجريبي، فالحقيقة أسمى من أن تقتصر في المنفعة فالمنفعة قد تكون مقياسا لما هو مادي، ولكن لا يمكن أن تكون مقياسا عاما توزن به كل أفكارنا وقيمنا ، وانه مطلق يحط من قيمة الإنسان ، لان المنفعة كهدف ننجر عنها تجاوزات لا أخلاقية خطيرة .

أما الفلسفة الوجودية فقد حصرت الحقيقة في الإنسان وتجاهلت المواضيع الخارجية التي تكون مصدرا هاما لها، فالإنسان قد يعني نفسه ويدرك حقيقتها ، والوقت نفسه فهو يتوق إلى إدراك العالم الخارجي الذي ينطوي على الكثير من الظواهر والأشياء التي تستحق البحث والتنقيب ، ومن جهة أخرى فان الوجودية تضرب القيم الأخلاقية عرض الحائط ، لأنها تقف في وجه الإنسان وتحول دون تحقيق ذاته –ماهيته- وهدا أمر غير مسلم به على الإطلاق

التركيب:

ومن خلال ما تم ذكره نجد هناك من يعتبر الحقيقة مطلقة والبعض عكس ذلك ، لكن الواقع يبين أن الحقيقة العلمية في إطارها الخاص تصدق على كل الظواهر وتفرض نفسها على كل عقل وبهذا المعنى تكون مطلقة فحين نقول أن الماء يتكون  من درتين من الهيدروجين ودرة من الأكسجين لا نعني بذلك كمية الماء التي أجريت عليها الاختبار بل نعني أية كمية من الماء على الإطلاق  لا توجد هذه الحقيقة في عقل الإنسان الذي أجريت أمامه الاختبار بل في كل عقل بوجه عام،ولكننا قد نكتشف في يوم ما أملاحا في الماء بنسب ضئيلة فيصبح الحكم السابق نسبيا  يصدق في إطاره الخاص، وهذا الإطار قد يكون هو المجال الذي تصدق فيه الحقيقة العلمية كما هو الحال بالنسبة لأوزان الأجسام التي يظل مقدارها صحيح في إطار الجاذبية ولكنها تختلف إذا نقلت إلى المجال الفضاء الخارجي لهذا فان الحقيقة المطلقة كثيرا ما يعبر عنها بالنسبية

الرأي الشخصي:

لكن الرأي الصحيح هو الذي يرى أن المعرفة الإنسانية نسبية بين الذات والموضوع المعروف وهي نسبية تجعل كلا منهما مشروطا بالأخر ، وهذا معناه أن العقل أن هو حاول إدراك المطلق فانه لا يصنع ذلك إلا بالنسبة للمقيد ، كما انه لا يتصور الثبات إلا في حالة وجود التغير ، وهذا يعني احتمال احد الأمرين:

إما أن تكون الحقيقة مطلقة ولا أمل في إدراكها من طرف مدرك ، وأما ا يدركها مدرك فتنتقل من المطلقية إلى النسبية ، يقول ج-س :" لا نعرف الشيء إلا من خلال جهة ما هو متميز عن غيره من الأشياء و أننا لا نعرف الطبيعة إلا بواسطة أحوالنا الشعورية ، ثم إن كل معرفة تابعة للظواهر وليست هناك معرفة في ذاتها أي مستقلة عم الموضوع المعروف"

الخاتمة:

وعليه فإننا نصل إلى أن الحقيقة متغيرة حقا نتيجة تعدد مجالات البحث ، لكن تغيرها يأخذ مصطلح التراكمية أي إضافة الجديد للقديم ، ومن ثمة فان نطاق المعرفة التي تنبعث من العلم يتسع باستمرار ومن هنا يكون انتقال العلم إلى مواقع جديدة على الدوام علامة من علامات النقص فيه، بل أن النقص يكمن في تلك النظرة القاصرة التي تتصور أن العلم الثابت والمكتمل ، وفي هذا تأكيد على أن الحقائق كلها نسبية وهي متعددة تابعة لمؤثرات بشرية وفكرية ورغم ذلك فان الإنسان يطمح إلى بلوغ الحقيقة الأولى مهما كان مفهوم الثبات

التركيب:

ومن خلال ما تم ذكره نجد هناك من يعتبر الحقيقة مطلقة والبعض عكس ذلك ، لكن الواقع يبين أن الحقيقة العلمية في إطارها الخاص تصدق على كل الظواهر وتفرض نفسها على كل عقل وبهذا المعنى تكون مطلقة فحين نقول أن الماء يتكون  من درتين من الهيدروجين ودرة من الأكسجين لا نعني بذلك كمية الماء التي أجريت عليها الاختبار بل نعني أية كمية من الماء على الإطلاق  لا توجد هذه الحقيقة في عقل الإنسان الذي أجريت أمامه الاختبار بل في كل عقل بوجه عام،ولكننا قد نكتشف في يوم ما أملاحا في الماء بنسب ضئيلة فيصبح الحكم السابق نسبيا  يصدق في إطاره الخاص، وهذا الإطار قد يكون هو المجال الذي تصدق فيه الحقيقة العلمية كما هو الحال بالنسبة لأوزان الأجسام التي يظل مقدارها صحيح في إطار الجاذبية ولكنها تختلف إذا نقلت إلى المجال الفضاء الخارجي لهذا فان الحقيقة المطلقة كثيرا ما يعبر عنها بالنسبية

 

الرأي الشخصي:

لكن الرأي الصحيح هو الذي يرى أن المعرفة الإنسانية نسبية بين الذات والموضوع المعروف وهي نسبية تجعل كلا منهما مشروطا بالأخر ، وهذا معناه أن العقل أن هو حاول إدراك المطلق فانه لا يصنع ذلك إلا بالنسبة للمقيد ، كما انه لا يتصور الثبات إلا في حالة وجود التغير ، وهذا يعني احتمال احد الأمرين:

إما أن تكون الحقيقة مطلقة ولا أمل في إدراكها من طرف مدرك ، وأما ا يدركها مدرك فتنتقل من المطلقية إلى النسبية ، يقول ج-س :" لا نعرف الشيء إلا من خلال جهة ما هو متميز عن غيره من الأشياء و أننا لا نعرف الطبيعة إلا بواسطة أحوالنا الشعورية ، ثم إن كل معرفة تابعة للظواهر وليست هناك معرفة في ذاتها أي مستقلة عم الموضوع المعروف"

 

الخاتمة:

وعليه فإننا نصل إلى أن الحقيقة متغيرة حقا نتيجة تعدد مجالات البحث ، لكن تغيرها يأخذ مصطلح التراكمية أي إضافة الجديد للقديم ، ومن ثمة فان نطاق المعرفة التي تنبعث من العلم يتسع باستمرار ومن هنا يكون انتقال العلم إلى مواقع جديدة على الدوام علامة من علامات النقص فيه، بل أن النقص يكمن في تلك النظرة القاصرة التي تتصور أن العلم الثابت والمكتمل ، وفي هذا تأكيد على أن الحقائق كلها نسبية وهي متعددة تابعة لمؤثرات بشرية وفكرية ورغم ذلك فان الإنسان يطمح إلى بلوغ الحقيقة الأولى مهما كان مفهوم الثبات